الملل
من منا لم يشعر به او يحس بوطئته ، ذاك الشعور الطاغي الذي يخرجنا عن هدوئنا ويزرع فينا بذور التمرد التي تنبت وتترعرع وقد تستمر في النمو وتتعملق حتي نصير غير قادرين عل كبح جماحها ،وأحيانا تزوي وتزبل و وتعود بنا إلي قفار الملل من جديد وفي احيان أخرى تطلق منا إبداعا وتحرك المياه الراكدة والحياة الساكنة التي إنطمرت خلال سنين عمرنا فتفجر ينابيع السعادة وتطلق ألق الشعور بالحياة ، وتغير بتدفق الأمل في العروق كل مناحي وطرق عيشنا إلي الأفضل ، والملل لا يخرج في وصفة عن ثلاث أما قاتل يدمرنا أو دافع يفتح لنا آفاق النجاح ويبدل عيشنا إلي الأفضل ، وأما الغالب فهو يحرك ركود حياتنا هنيه ثم ما يلبث أن يستولي علي أحاسيسنا من جديد ،
قليل هم من يتخذون من رماد الملل قاعدة لإشعال جذوة الأمل في القلوب وتبديل الواقع المر ، حيث أن هذا يستلزم أنفس سوية ، وثقة بالنفس وطاقات مخزنة تنتظر لحظة الإنطلاق ويسبق كل هذا إيمانا بالقدرة علي إحداث الفرق ، فإذا توافرت تلك المقومات في أي شخص كان ، نجده قد أضاء شعلة الأمل وقفز قفزات في طريق النجاح وحول ساعات الملل إلي تراكمات من النجاح والبهجه ، واستثمر طاقة الكبت التي إختزنها مللا لتكون وقود رائع لرحلة نجاحه ودافع لبدء مشواره مع السعادة والراحة النفسيه ،
والملل من أهم صفاته إنه لا يفرق بين الغني والفقير ولا الشيخ والطفل أو الرجل والمرآه فهو يصيب الجميع علي تفاوتهم ، فقد يمل الغني من حياته أو المرآه من كونها إمرآه والعكس ، كما قد يمل الشيخ من طول عمره ، او الطفل من كونه طفلا ، وهو هم يستولي علي النفس ويتلاعب بمشاعرها وينكس رايات الفرح لتحل محلها غيوم الحزن وتطبق الكآبة علي الصدر فلا يستطيع الشخص أن يكون فاعلا بل يستسلم لهمه ، ويقعده هذا عن الشعور بجمال الحياة ، فينعزل رويدا رويدا حتي يصبح مهمشا ضائعا ، لا تفلح يد السعادة أو النجاح من الإقتراب منه،
لعلنا جميعا نمر بهذا الشعور من وقت لأخر لكن الإختلاف ربما يكمن في نجاح البعض في تخطي هذا الشعور بالملل ، ونجاح آخرين في إتخاذ هذا الشعور دافعا كي يعبروا لساحات الحلم عبر ما يوفره من طاقة للتمرد علي الوضع وإشعال رغبتهم في إحداث التغيير الذي ينقذهم من شعورهم بالملل ، وهذا هو لب الإختلاف بين الفريقين ، فمن يتخذ من طاقة التمرد علي الوضع المعاش عونا لتخطي هذا الواقع ينجح بنسبة كبيره في الإنعتاق من بوتقة الملل التي يظن إنه اصبح حبيسها ، ومن يحاول فقط أن يبدد غيم الملل بالهروب او التناسي أو معالجة حالة آنية ما يلبث أن يعود أدراجه فيقع في هوة الملل من جديد،
وقد يكتفي البعض بإحداث بعض التغييرات الظاهريه سواء أكانت في الشكل أو المحيط ليشعروا بالتغيير وهذا يوفر لهم فرصة للفكاك مما يسببه الملل من ألم وتنغيص ، لكنهم لا يلبثوا أن يصيبهم الملل من جديد لأنهم إنما بدلوا الظروف المحيطه ولم يتطرقوا للجوهر ، وأخرين يدركوا إن خلاصهم إنما يكمن في التغيير الجذري وهو وإن كان يستلزمه بعض الوقت إلا إنه يمثل العلاج الناجع الذي يقضي علي أسباب ومسببات الملل فتتغير حياتهم بالكلية ، وقد لا يعاودهم هذا الشعور أبدا أو علي أقل تقدير قد يعاودهم بعد سنوات وسنوات من الراحه والسعاده كونهم بحثوا ودرسوا الأسباب وحاولوا أن بقضوا علي جذور المشكلة ،
وربما نجد ان من لديهم خلفية روحانية ، ويقين بالقدر وإيمان بالغيب هم أقدر الناس علي تخطي سقطات الملل التي تشق الصدر وتجعل النفس كأنما تصعد للسماء من شدة ما تعانية من ضيق ، ذلك لأن الإيمان بالقضاء والقدر وتسليم الأمر للمولي عز وجل ، والتطلع لحيازة الأعمال الصالحة التي توجب الفوز بالآخرة لا تدع أمام هؤلاء فرصة للشعور بالملل وإن حدث فرغبتهم الأكيدة وتطلعهم إلي آافق الغد تزيل عن قلوبهم شوائب وأرهاصات بدء الشعور بالملل ، أما شعورهم بقصر الحياة فهي التي تدفعهم لمواصلة العمل والرغبة في النجاح يوما بعد يوم وهم يتطلعون لما بعد تلك الحياة القصيرة ، فتنتفي لديهم أي علامة من علامات استيلاء الملل علي فكرهم او تغلغله في ثنايا نفوسهم ،
أشرف نبوي
كاتب واديب مصري