قصة قصيرة
ليس غريبًا أن يقولها ، فهو فى كل مرة كان يقول ما يجول بصدورنا ونخشى أن تتلفظ به ألسنتنا .
وبعدها يتأهب للرحلة المعتادة التى تعود عليها وأصبحت له ولأسرته شيئاً مألوفاً .
صرة الضرورة معلقة على المسمار المجاوز لزر النور خلف باب مدخل الشقة يأخذها بيده ويشير بيده الأخرى إلى أولاده وزوجته وهى مقبوضة .
كانت الرحلة تستغرق ما بين الشهر أو أكثر تنتهى عند أسرته حين يطرق بابهم بالنغمة التى تعودا عليها من عائلهم فليس هناك من يدخل داره سواه ليلاً أو نهارًا ولكن هذه المرة (الرحلة طولت شويه) .
يمضى الشهر تلو الأخر دون عودته أو سماع أخبار عنه (والغايب حجته معاه) .
ما دلنى عليه سوى صوته وبقايا صورة له فى مخيلتى .
حاولت جاهدًا أن أشق صفوف الصغار والذين التفوا من حوله بعضهم يصفق له والأخر يرميه بالحجارة وهو يعتلى بعض الأدراج الحجرية ، وقف شامخاً وسط الميدان الفسيح والذى لا تغمض جفناه من أثر دقات عقرب الثوانى وقالها وبأعلى صوت وعيونهم ترقبه ، لكنهم هذه المرة كانوا غير عابئين بكلماته ووجوههم تعلُوها ابتسامة من أنهى الجولة لصالحه ، بدأ صوته يخبو رويدًا رويدًا ، وفى سخرية راح يضحك ويشير بإصبعه فى اتجاه المبنى العتيق ونظرات حيرى تحمل شظى ينبعث من عمق عينيه كأنما يبحث عن ضالته ، وبعدها رفع رأسه إلى السماء صامتًا وكأنه طلب أن تنهمر دموعه لتطهر جرحًا عميقًا كان تحت مقلته .
بدأ الجميع ينصرف من حوله حتى الصغار إلا أن صغيرًا واحدًا فارق رفاقه ورجع له ، أخذه من يده وحمل جعبته المليئة بالأوراق والخرق البالية بيده الأخرى وكأنما الجزع تسند الأوراق ، شقا طريقهما وسط الزحام يمشى خطوة ويكبو أخرى وظللت أرقبهما حتى تلاشيا .
ســـــعد يحيــى