.. ما سيأتي هو صحيحُ ما وَقعَ لصاحِبنا، و لكنني أضفيتُ على مشهده الأخير مسحةً من الخيال .. قال
إعتدتُ في يوم إجازتي الأسبوعية أن اتوجه بنفسي لأجلب طعام الإفطار للعائلة..فكُنت أحياناً أستقلّ سيارتي توفيراً للوقت..وأحياناً أقطع المسافة ماشياً على قدميّ ، فإذا مشيتُ كان لا بد أن أجتاز صفّاً من عدّةِ مبانٍ بتطاولُ بنيانها لعشرة أدوار أو اكثر ..مبانٍ يفصلُ بينها عدةُ أمتارٍ فحسب، كأنها تومئُ برؤوسها في استعلاءٍ إسمنتيّ ..وتبرزُ من كل دَوْرٍ شرُفاتٌ نافرةٌ يطلّ منها ساكنوها على ما حولهم ..ولَهم فيها مآربُ أخرى..
قال : وينما كنت أسير ذاتَ يوْمٍ بمحاذاةِ هذه المباني الشاهقة..كانت تسير بمواجهتي فتاةٌ في العشرينيات منْ عمرها ..بضع خُطواتٍ فقط كانت تفصلني عنها ..إذ بسجّادة كبيرة تهوي من إحدى هذهِ الشرفات..ربما كان أصحابها ينفضون عنها الغبار ..طارت السجادةُ ..كانت تمتد في السماء أمام ناظريّ ..لكنني لم أجد علاء الدين يعتليها ..! ثمّ حطتْ فوقَ رأس الفتاة..سقطت المسكينةُ أرضاً وقد غمرتها السجادة ..فكان مشهدها ولو لوهلة كأنها نائمةٌ تتحذ من السجادة غطاءاً ..استجمعت قواها ..نفضت عنها السجادة كمن يصحو فزِعاً من نومه ..مشت بترنّحٍ و خُطىً متعثرةٍ حتى اتخذت لها مجلساً على قارعة الطريق ..التف حولها بعض المارّة يطمئنون عليها ..غادرت المسكينةُ بعد أن صبت لعناتها على السجادة ..وربما طالت لعناتها تلك الشرفة التي انطلقت منها السجادةُ وساكنيها ..!
..قلت : لو أن سقوط السجادة تأخر لحظاتٍ فحسب..لكنتُ بمحاذاة الفتاة المسكينة..ولغمرتنا السجادة معاً..بل لكنتُ انا المسكين! فوا سوأتاه من مشهد..؟!
.. إمتدّ بي الخيال..رأيت الناس يجتمعون من حولنا بعدَ ان نُزعتْ عنّا السجادةُ ..كان بعضهم يهزّ رأسه أسفاً وآخرٌ يتوعدنا يسوء المنقلبْ..و ثالثٌ يدخّنُ سيجارته و يطلقُ نفثها عليّ ليكتم أنفاسي..ينما الأولاد في الطريق يهتفون بمن خلفهم لينضموا اليهم..أما الشرفات فقد عجّت بساكنيها يناظرون من علٍ و يشيرون عليّ حتى أن أصابعهم تكاد تمتدُّ لتخترق عينيّ ..!..أطبق علي ذهولٌ و خوفٌ شديدان ..بينما السجادة طريحة الأرض كانها تهمس بي أن الوِزر على من ألقى بها....وبنما انا وسط هذا الحِصار إذ بالجمع ينشقُّ عن فسحةٍ تعبرها امرأةٌ بحزمٍ و سطوة..إنها ..إنها تقترب....وعنده كان خيراً لي أن يتوقف المشهد!!
...تذكّرتُ أن عائلتي بانتظار طعام الإفطار..تابعت مسيري وقلت :يا ربِّ سِترَك..!