بسم الله الرحمن الرحيم
عبقرية هذا الضرير
عبدالغني خلف الله
كان العرب بارعون جداً في إسداء النصيحة ونسج الحكمة وحسن التدبير .. صحيح أنهم لم يدرسوا في الجامعات والمعاهد العليا ..لكن شطارتهم تحيرّ اللبيب وتفقده صوابه .. ومن ذلك قول أحدهم ( ومن لا يروم صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر ) .. ولا بد أن أحدهم قام بترجمة هذا النص للإنجليزية ومنذ تلك اللحظة يتسلق الجبال فقط ( أولاد جون ) ونادراً ما تجد عربياً يملك الوقت والمال والصحة لصعود الجبال .. ولكن الخواجات لم يفطنوا للمعني المقصود من هذا البيت وأخذوه بالمعني اللفظي .. بيد أن شاباً ضريراً التقط هذا المعني وعمل به .. ومن لا يروم صعود الجبال .. يعش أبد الدهر بين الحفر ..وبما أنه ضرير فهو بالطبع لن يجد أحداً يوبخه علي تقاعسه واستسلامه لمصيره المكتوب فيما لو بقي حبيس منزله ..ولكن الطالب حذيفة أنس محمد ..الطالب الكفيف ..رفض الخنوع والقبول بواقعه فقرر التمرد عليه بكل الوسائل المتاحة .. وكثيرون هم الذين ركنوا إلي حقيقة كونهم مكفوفين فتقوقعوا داخل بيوتهم حتي ضاقت بهم ومحظوظ هو ذلك الذي وجد تعاطفاً ودعماً من عائلته فوفروا له اللقمة والكساء والدواء والسكن وحفظوه بين جوانحهم وفي إطار العائلة الممتدة وكانوا في أغلب الأحيان ملح وبهار أمسياتهم لخفة ظلهم وسرعة بديهتهم شأن كل أعمي ..ومن كان حظه سيئاً انتهي به الأمر للشارع وممارسة التسول .. وكان حذيفه أنس من المحظوظين الذين وجدوا دعماً بلا حدود من العائلة فالتحق بمعهد النور لتعليم المكفوفين بالخرطوم بحري حيث درس المرحلة الإبتدائية والمتوسطة ثم الثانوي العالي بمدرسة رفاعة العليا وقد تأهل منها لدخول جامعة أم درمان الإسلامية وهنا لا بد من الإشادة بكل المعلمين بتلك المرافق الذين ما بخلوا علي حذيفة بالعلم والمعرفة وعي سواه ..فوفروا له طريقة ( بريل ) لتعليم المكفوفين وصبروا علي تدريسه كافة المقررات في رفاعة الثانوية لينتجوا لنا طالباً جامعياً ..ولجامعة أم درمان الإسلامية أيضاً كل الإعزاز والود وقد رعت هذا الضرير العبقري حتي حصوله علي درجة البكلاريوس ..وكان من الممكن أن نصفق طويلاً لحذيفة بهذا الإنجاز العظيم .. فحصول كفيف علي درجة جامعية ليس بالأمر الهين ولكنه عاد ليفاجيء الجميع بحصوله علي درجة الماجستير بتقدير ممتاز .. واختار لأطروحته موضوع ( الماسونية وتأثيرها علي العالم الإسلامي ) والماسونية كما عرفها هذا العبقري تعني ( سيطرة اليهود علي العالم ) ولم يكتف ببحث أي كلام ..شاعر مغمور عاش في القرن الأول كل موهبته قرض الشعر والترويج للفتيات الجميلات ..أو مرض يصيب الحشرات لاسيما النمل والعناكب أو شيء من هذا القبيل ..ولكن سيطرة اليهود علي العالم موضوع خطير للغاية ..ولقد تابعنا أستاذنا الجليل صادق عبد الماجد الذي ما أنفك يكتب في الماسونية منبهاً ومحذراً من أخطارها كما لم يكتبه مالك في الخمر ..بقي أن نذكر بأن بحث الماجستير لحذيفة قد أشرف عليه الدكتور محمد جمال المحاضر بالجامعة الإسلامية وقد وجد حذيفة كل الدعم والمؤازرة من أسرته ومن الأستاذة سلوي عزالدين من الصندوق القومي لرعاية الطلاب ..لهم منا كل الشكر والثناء والتقدير ومزيداً من التقدم .