قضية للحوار
عطية العمري
هل نظامنا التعليمي بحاجة إلى تغيير جذري و" انقلاب تربوي " ؟
طلابنا يكرهون العلم والتعلبم والمدرس والمدرسة ، فمن المسؤول ؟
دارت في ذهني تساؤلات عديدة من بينها :
• هل السبب فيما جرى لأن المعلم عندنا لا يصلح أن يكون معلماً ؟
• هل لأن مناهجنا التربوية مناهج للتجهيل لا للتعليم ؟
• هل لأن أولياء الأمور يعملون ـ بغير قصدٍ طبعاً ـ على غرس النفور من المدرسة والمعلمين والتعليم بصورة عامة لدى أبنائهم ؟
• هل لأننا ـ نحن المعلمين ـ ورثنا سلوكيات سلبية منذ الصغر من معاملة آبائنا ومعلمينا لنا ، فحاولنا دون أن ندري إلى غرسها في طلابنا ؟
• هل القوانين التي أصبحت مطبقة في نظامنا التعليمي هي السبب ، من إلغاءٍ للامتحانات العامة ، إلى منع العقاب البدني ، مروراً بالترفيع الآلي ، وإلغاء الامتحانات في الصفوف الابتدائية الثلاثة الأولى ؟
• هل سوء الحالة الاقتصادية قد دفع الكثير من أولياء الأمور إلى الحقد على المعلمين فانعكس ذلك على سلوك أبنائهم ؟
• . . . . . . ؟
ثم :
• من يتحمل المسؤولية فيما حدث ويحدث ؟ أهم المعلمون ؟ أم مديرو المدارس ؟ أم الموجهون التربويون ؟ أم مديرو التعليم ؟ أم وزارة التربية والتعليم ؟ أم الأهل وأولياء الأمور؟ أم المجتمع بصورة عامة ؟
• ما الحل ؟ وكيف الخروج من هذا المأزق ؟
هذه التساؤلات وغيرها تداعت إلى خاطري تباعاً بعد أن فُقتُ من هول الصدمة التي ألمَّت بي قبل بضعة أيام . . . تلك الصدمة التي جعلتني أضحك للوهلة الأولى ، ثم ما لبثتُ أن انتابني الحزن العميق الذي سيطر على كياني كله .
وقلت في نفسي : هل نحن نضحك على أنفسنا ؛ لأننا فعلاً لا نقوم بالتربية والتعليم ما دامت النتيجة هي ما وجدته وشاهدته وقرأته ؟! صحيح أن ما قرأته كتبه طالب واحد أوطالبان وصحيح أنه قد يكون منقولاً عن إخوة كبار ، ولكن ذلك لا يغير من الأمر شيئاً ؛ لأنه يلاقي استحساناً من غالبية الطلاب ، ثم لأنه يدل على أن أكثر من فئة عمرية من الطلاب تتبنى وجهة النظر هذه .
وحتى تعرفوا ما حصل ـ أيها التربويون الكرام ـ إليكم الحكاية من البداية :
يوم السبت الماضي 11 / 5 / 2002 م ، جاءني أحد المعلمين بقصاصتين من الورق ( ما زلت أحتفظ بهما ) قال إنه قد وجدهما مع طالبين من طلاب الفصل . نظرتُ إلى القصاصتين، ويا هول ما وجدتُ .
أما القصاصة الأولى فكان فيها ما نصه :
" اللهم أرسل إلى المدرسين ضربةً قوية
وإلى المدرسات صدمةً قلبية
وإلى المدرسة قنبلةً ذرية
وإلى الطلاب عطلةً صيفيةً أبدية . "
أما القصاصة الثانية ـ وهي أكبر حجماً ـ فكانت أبياتاً من الشعر على شكل دعاء على المدرسين ، ونصها :
اللهم عذب المدرسين والمدرسات الأحيـاء منهم والأموات
اللهـم مزق دفتـر العلامــات وحول الأصفارإلى مئـات
اللهـم عذب مدرس الرياضيـات وأدخِلْه في غرفة العمليات
اللهـم عـذب مدرس العلــوم واحصره بين الفم والبلعوم
اللهـم عذب مـدرس الأحيـاء وحوِّل جسمه إلى أجـزاء
اللهـم عذب مـدرس الديــن لأنه كـان من المشركيـن
اللهم عـذب مـدرس المطالعة واجعل حياته في مصارعة
اللهم عـذب مدرس النصـوص لأنـه كـان من اللصوص
اللهم عـذب مدرس علم النفس واجعله يمـوت بالرفـس
اللهـم عـذب مدرس التاريـخ واحذفـه إلـى المريــخ
اللهـم عذب مدرس الرياضـة ولبِّسـه مريلـة وحفاضة
نسيت أن أقول لكم بأن هذين الطالبين هما من طلاب الصف الرابع الابتدائي .
والآن أطرح على حضراتكم التساؤلات التالية للنقاش وإبداء الرأي :
1- هل مثل هذه القصاصات والكتابات تدل فعلاً على كره الطلاب للمدرسة والمعلمين والتعليم ؟
2- وإذا كانت الإجابة بالإيجاب فما السبب ؟ ومن المسؤول عن ذلك ؟
3- وفي ضوء ما سبق ، ما الحل ؟
وأبدأ بنفسي ـ بصفتي مديراً لهذه المدرسة ـ للإدلاء بدلوي في هذا المجال ، تاركاً لكل من يريد التكرم بإبداء وجهة نظره أن يتقدم بها مشكوراً على صفحات مجلة " رؤى تربوية " الغراء لنشرها في الأعداد القادمة .
أقول وبالله التوفيق :
أولاً : بالنسبة للتساؤل الأول ، فإني أرى أن مثل هذه الأمور تدل فعلاً على أن المدرسة مكان غير محبب لطلابنا ، وأن التعليم ـ في نظرهم ـ عبءٌ ثقيل على كواهلهم ، وأن المعلم شخص غير مرغوب فيه . ومما يدعم هذا الرأي :
1- فرح الطلاب كثيراً عندما يعلمون أن هناك يوم عطلة . وقد تساءلتُ : لماذا يحدث هذا في مدارسنا ، وقد قرأت مقالة في مجلة " رؤى تربوية ـ العدد السادس " لمعلمة فاضلة عن تجربتها في إحدى دول الخليج ، وكيف أن أحد الطلاب قد بكى عندما علم أن غداً يوم عطلة ، ولما سألته معلمته عن سبب بكائه قال : لأني لن أحضر إلى المدرسة غداً .
2- تمزيق الطلاب لدفاترهم وكتبهم ، وقذفها في الشوارع بصورة مزرية في اليوم الأخير من العام الدراسي .
3- قذف الطلاب للمدرسة بالحجارة في اليوم الأخير من العام الدراسي ، أو في الأيام التي تحدث فيها اضطرابات لسبب من الأسباب .
ثانياً : بالنسبة للتساؤل الثاني فإني أرى أن الجميع مسؤول عن هذا الخلل الخطير ، من معلمين ومديري مدارس ، وموجهين تربويين ، ومديري التعليم ، ووزارة التربية والتعليم ، وكذلك الأهل وأولياء الأمور ، إضافة للظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية الصعبة . ولكني أرى أن الذي يتحمل العبء الأكبر هو المعلم . ولعلكم تعجبون من ذلك ، ولكني سأروي لكم هذه الحادثة التي تؤكد صحة ما ذهبتُ إليه :
أحد المعلمين في إحدى المدارس يكفي أن تصفه بأنه لا يصلح أن يكون معلماً ، ولا أريد أن أخوض في التفاصيل ، مما أثر على طلابه سلباً إلى حد بعيد ، سواءً من حيث مستواهم التعليمي ، أو من حيث سلوكياتهم وتعاملهم ، بل ومن حيث نظرتهم إلى المعلمين والمدرسة . وبالرغم من الإشكالات العديدة بين هذا المعلم ومدير المدرسة ، وبالرغم من الإنذارات الشفوية والتحريرية التي تلقاها من مدير المدرسة ، فإنه لم يغير من سلوكه ولم يعدل من تصرفاته . وقد تم نقل هذا المعلم في أثناء السنة الدراسية إلى مدرسة قريبة من مكان سكنه !! فتم تعيين معلم آخر بدلاً منه ، وكان هذا المعلم الجديد صورةً مغايرة تماماً للمعلم السابق ؛ فانقلب كيان طلابه رأساً على عقب ، ومن مظاهر هذا الانقلاب :
ـ تحسن مستوى الطلاب التحصيلي بدرجة كبيرة ، فقد كان هؤلاء الطلاب من أضعف طلاب شُعَب الصف الرابع الابتدائي بالمدرسة ، فأصبحوا من أفضل الطلاب تحصيلاً بشهادة المعلمين الآخرين الذين يعلمون هؤلاء الطلاب ، وبما تنطق به سجلات علامات الطلاب .
ـ تحولت كراساتهم في هذه المادة الدراسية ـ وهي اللغة العربية ـ من كراسات ممزقة وغير مرتبة وغير متابعة أو مدققة من المعلم ، إلى كراسات مرتبة ومنظمة ومتابعة أولاً بأول ، الخط فيها مرتب والصفحات مسطَّرة وقد سُجِّل في كل منها اليوم والتاريخ ، كما أن الكراسات مجلدة وتخلو من الرسومات والكتابات العبثية التي يحلو لبعض الطلاب القيام بها .
ـ تحول الفصل من فصل كثير الفوضى والمشكلات السلوكية بين طلابه ، إلى صف هادئ منضبط نظيف ، تزين جدرانه اللوحات والصور الهادفة .
ـ ثم ، وهذا هو الأهم ، تحول هؤلاء الطلاب من طلاب يكرهون المعلم السابق ويتحدثون عن سلبياته صراحةً أمام الجميع ، إلى طلاب يحبون معلمهم الجديد ، يلتفون حوله في الفصل أو في ساحة المدرسة ، يبثونه همومهم ومشكلاتهم ، ويقترحون عليه ما يمكنهم عمله لتزيين فصلهم مثلاً أولتنفيذ مسرحية أو برنامج الإذاعة المدرسية . . . إلخ .
هذا دليل واقعي ملموس على أن المعلم له الأثر الأكبر على الطلاب سلباً أو إيجاباً .
ثالثاً : وأما بالنسبة للتساؤل الثالث الخاص بالحل ، فأقول ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته " . ولكن البداية يجب أن تكون من المعلم أولاً ، ثم من مدير المدرسة الذي عليه أن يتابع المعلمين بالتشجيع والتطوير وزرع القيم بين هؤلاء المعلمين ، واتخاذ الإجراءات القانونية بحق المقصرين إن لزم الأمر .
أما المعلم فيمكن تلخيص دوره في هذا المجال في عدة نقاط أهمها :
1- أن يجعل المعلم مهنة التعليم رسالةً له في الحياة وليست فقط مهنة لكسب العيش .
2- أن يراقب الله في السر والعلن ؛ لأنه بدون ذلك لا يستطيع أي مسؤول أن يعدل من سلوكه السيئ ، حتى وإن اتُّخِذت بحقه أشد العقوبات .
3- أن يسعى دائماً إلى تطوير نفسه أكاديمياً وفنياً ، وأن يبادر إلى ذلك بنفسه إن لم يجد المعونة من مدير المدرسة أو الموجه التربوي .
4- أن يسعى للتقرب من الطلاب ، وأن يتعرف إلى نفسياتهم واهتماماتهم ، وحل مشكلاتهم بطريقة تجعلهم يشعرون أنه مصدر أمن وحب لهم .
هذا ما أردت عرضه على حضراتكم ، وكلي أمل أن يلاقي هذا الموضوع من الجميع الاهتمام الكافي ، وأن يشارك الكل في محاولة الخروج من هذا المأزق ، فنحن جميعاً في سفينة واحدة ، فإما أن تنجو السفينة وننجو جميعاً ، أو تغرق ـ لا سمح الله ـ ونغرق جميعاً.
عطية العمري