تنطّ نطّ فراشة .. تنتقل من زهرة إلى أخرى ..
تلثم هذا وتمتصّ رحيق الآخر ..
تراها تحضن والدها من خلف الأريكة، وترمي بنفسها في أحضان أمها ..
تشاكس أخاها ، تخطف منه لعبته ، يصرخ مستغيثا .. ترمي له بها بعيدا فيذهب متعثّرا لالتقاطها.. هكذا هي يحلو لها جوّ الضجيج .. كثيرا ما ينهرها والدها : اتركينا نسمع الأخبار .. ولكنها لا تأبه لذلك تستمرّ في ضوضائها تنشد تغني اغنية لا تعرف لها معنى .. تجرّ كرسيا قبالة الأريكة ، تجلس في وضع معاكس ..تطلب لأمها نقل المؤشر إلى قناة الرسوم المتحركة .. تسقط الكراسي .. تجلب دميتها تحاول تنويمها على ركبة أبيها ، وتهدهدها : ننّي ننّي جاك النوم ، تسحب الجريدة من يد ابيها لترى صورة حمار يركب دراجة فتستغرب مشهقة : حمار يركب درّاجة ..! فيجيبها الوالد بهدوء لا غرابة .. الحياة تطورت يا بنية ..!
وتنطّ لتلقي بثقلها بينهما ، بين أبيها وأمها ، فتزجرها الأم لم لا تتخذ ين لك مجلسا متسعا من هناك ..؟ فتهمهم أريد الجلوس بجانبه .. إنها تريد أن تنفرد بأبيها ولا يشركها أحد حتى وإن كانت أمها ، وأمها بالخصوص ، فقد وقع في قلبها شيء ما .. فأصبحت تغار لأبيها من أمها .. تمرفقت على فخذ أبيها وسألته لم لا يقتني لها دراجة ؟ أتريدين أن تكوني مثله ؟ ضايقتها أمها لتحملها على الانتقال إلى الجهة الأخرى ... دفعها ذلك إلى التساؤل لم أمي تريد أن تستحوذ لوحدها على أبي ؟أصبحت تتابع الحركات علّها تجد مبررا تتغابى وتتغاضى ولكن ترسل نظرات خفية خاطفة ماكرة ، فتلحظ حركة وتسمع وشوشة ، ولكنها لم تكن كافية لفك اللغز .. وتابعت واستكشفت أمورا لكن لا زالت بالنسبة لها غامضة .. فحركة غمز .. ودعابة لمز .. وتبادل نظرات فاترة ، مصمصة شفاه ،وارتعاش حواجب ، وإشارات إلى مواطن حسّاسة كل ذلك ولّد في ذهنها وليدا جديدا لم تقترح له اسما بعد .. لكنه مقلق لحدّ أنه جلب الأرق وصداع الرأس .. ومن يدري لعل هذا الهاجس أو مثله هو الذي جعل الحمار يركب الدراجة ؟ فالحياة تطورت ..
طنين بعوضة في المخّ ..! لماذا ..؟ لمّا حرّكت البراءة حاجبها اعتبرته أمها عيبا ..! وعندما تغمز هي ؟؟وتأمرها وبشدة أن تستر ساقيها إن انحسر عنهما الثوب قليلا ، ولا تراها تبالي بعري ساقيها وهي تعرضهما للمدفأة ، آخرة السهرة نهضت الأم لتذهب إلى بيتها سابقتها وارتمت على السرير .. اذهبي إلى موضعك لتنامي .. لا ،، أنا سأنام هنا بجنب بابا ، ولم أنت تنامين بجنبه ؟ تطلعت إلى أمها وهي تنضو ثيابها وترتدي ثوب النوم الشفّاف وتتعطّر وتسرح خصلات شعرها ففعلت فعلتها فزجرتها أمها البسي ثيابك ، عيب ،وأنت ؟ أرْتالٌ من الاكتشافات طلمست فكرها الغضّ ، لم يلتصقان ببعضهما وأنا وأخي كل في سريره ؟ طاشت منها نظرة خاطفة ولكنها فاحصة فارتسمت على صدر أمها وتذكرت عذوبة لبانها ، وتساءلت لم لا تكون لها أثداء ؟ وتحسّست جهة اليسار تحت إبطها بلطف ، فاستراحت لهذه اللمسة الحانية ، لكنها لم تقيمها ولم تجد لها مصطلحا ، ذهبت صاغرة لمأواها ، وعشٌّ من التساؤلات يملأ مخّها الهشّ ..
استلقت على فراشها ، أغمضت عينيها ، محاولة طرد ما يزعجها ، وداعية حادي المنام أن أقبل ، أخذت أنفاسا عميقة ،تساعد في هدأة النفس ، وغطيط اخيها يؤنسها بعض الشيء .. لكن النعاس بقي يعاند .. لم يتحملها مضجعها ، تشقلبت ذات اليمين وذات الشمال ، تثاءبت ، تنهدت ، وفي هذه الحال تناء إلى سمعها صوت غريب ، همهمة خافتة ، وأنفاس متقطعة لاهثة ، وشخير ضارب في الغور ، فتصورت ذاك الشبح المخيف .. ارتعدت فرائصها ..وصرخت بأعلى صوتها : ماما ماما ...! فهجعت الأصوات وجاءت الماما على عجل كما هي ، أوقدت المصباح ووقفت عند رأسها لاهثة ، ولمّا هدأت هي ، وهدأت ، طبعت قبلة على جبينها مودعة .