توظيف الدراما في تعليم اللغة العربية
عطية العمري
من الأساليب الفعالة في التعليم والتعلم, أسلوب التعلم بالأنشطة, واللجوء إلى الخبرة والنموذج كوسائط تعليمية, ذلك الأسلوب الذي بدأه المفكر التربوي الأمريكي جون ديوي والذي يتلخص أسلوبه في "أن يتعلم الطفل المهارات والمعارف الأكاديمية عن طريق خبرات الحياة اليومية والممارسة" (حسين,2002).
ويعني التعلم بالنموذج أن يتعلم الفرد عن طريق ملاحظة الغير وتقليدهم عند الاقتناع بهم, ثم التوحد معهم. ويدخل ضمن التعلم بالنموذج الأنشطة الدرامية المتنوعة من دراما إبداعية ونشاط تمثيلي ومسرح والتي تستخدم في إكساب الأطفال عدداً من المهارات والقدرات وأهمها القدرات اللغوية.
فهل تستطيع الدراما إكساب الأطفال المهارات اللغوية وتنميتها؟
والإجابة على هذا السؤال هي: نعم, والدليل على ذلك:
1. أن الدراما تتعرض في موضوعاتها لعديد من الخبرات الإنسانية من خلال نماذج إنسانية تتواصل وتتفاعل مع بعضها ومع المجتمع بثقافته ونظمه الحضارية, ووسيلتها في ذلك الكلمة, مما يساعد على تنمية بعض مهارات التواصل, ومنها الاستماع والحديث.
2. جماليات التمثيل التي تعتمد على فنية الإلقاء تجعل الكلام واضحاً في المبنى والمعنى, مما يساعد على تنمية التذوق اللغوي من جهة, واكتساب المتلفي لعدد من المفردات اللغوية الجديدة التي تثري قاموسه اللغوي.
3. يستخدم المسرح عدداً من اللغات المتنوعة في مخاطبة مشاهديه, مثل اللغة المسموعة التي تخاطب حاسة السمع, واللغة المنطوقة التي تعتمد على الكلمة, ولغة الموسيقى والمؤثرات السمعية التي تعمل على تحقيق المزاج النفسي والإثارة والانفعالية المناسبة للمشهد, وكذلك اللغة التشكيلية التي يتم التعبير عنها من خلال المناظر المسرحية (الديكور) والأزياء والألوان, والتي تخاطب حاسة الإبصار وتحقق الإثارة البصرية. أضف إلى ذلك لغة الحركة التي يستخدمها الممثلون في التعبير عن المعاني والمشاعر والانفعالات المختلفة التي يتطلبها الموقف ؛ مما يساعد على الفهم وتيسير المعنى من خلال تعبيرات الوجه وحركة الجسم والإشارة والإيماءة...إلخ.
4. إستخدام الملصقات المرسومة والمزودة بكلمات قليلة بخط كبير يمكن رؤيته في قاعة المشاهدة, واستخدام الأقنعة والعرائس, كل ذلك يقوم بدور كبير في إكساب المهارات اللغوية للأطفال مشاهدي المسرح. (حسين,2002 بتصرف)
الشروط العامة التي يلزم مراعاتها عند مخاطبة الطفل سواء بالمسرح أو غيره:
1. الاختيار المناسب للحكاية التي تهيئ للفعل الدرامي.
2. مراعاة المرحلة العمرية..سواء للطفل المشاهد أو في العمل الفني نفسه.
3. مراعاة القواعد النفسية والقيم العليا والاجتماعية.
4. العمل على زيادة خيال الطفل ومدركاته.
5. المباشرة التي تحترم عقل الطفل وتنشط ذهنه. (أدب الأطفال ، 2004).
الشروط الخاصة بطلاب المرحلة الابتدائية:
1. يجب ألا تصل المباشرة الى حد التقريرية وإغفال عقلية الطفل.
2. فكرة الخير والشر في الأعمال المقدمة للطفل يجب ألا تتم بالتلقين وإصدار الأحكام الجاهزة مع إغفال عقلية الطفل.
3. الوعي بالسمات العمرية لكل مرحلة سنية في كتابة العمل الفني الدرامي وفي تقديمه.
4. معرفة الدلالات الرمزية للأشياء عند الكتابة لتوظيف ما يعرف ب "الإسقاط" في معالجة الفكرة.
5. ممارسة اللعب التخيلي وتنشيط خيال الطفل.
6. مناقشة العمل الفني مع الطفل.
7. مراعاة القيم الإيجابية في النصوص المقدمة من حيث المضمون واللغة.
8. مشاركة أكبر عدد من الأطفال في التمثيل.
9. ضرورة أن يغطي النص المسرحي الجانب العاطفي والنفسي والتعليمي لاحتياجات الطفل.
أسباب عزوف المعلمين عن توظيف الدراما والمسرح في الأنشطة الصيفية:
بالرغم من أن كثيراً من الباحثين قد أكدوا أن للدراما والمسرح دوراً كبيراً في تطوير الأطفال معرفياُ ووجدانياً, إلا أنه لازالت توجد فجوة كبيرة بين فهم قيمتها نظرياً والتطبيق العملي لها.
ويمكن تلخيص الأسباب التي تجعل المعلمين يترددون في توظيف الدراما والمسرح في الأنشطة الصفية فيما يلي (sun, ping, yun , 2003 بتصرف):
1. إغراق المعلمين بكثير من المصطلحات المتداخلة التي تستخدم في الدراما والمسرح مثل: الدراما الإبداعية, التمثيل الإبداعي, الدراما المطوَّرة, عملية الدراما, الدراما التربوية, الدراما الارتجالية, الدراما غير الرسمية, الدراما الصفيِّة, الدراما في التعليم ...إلخ.
2. وضع الأنشطة الدرامية على هامش المنهاج المقرر- هذا إن وجدت أصلاً- مما يعطي المعلمين إيحاء بعدم أهميتها.
3. عدم اهتمام برامج إعداد المعلمين بهذا الجانب, مما يجعلها غير مألوفة لدى المعلمين, وغير مدركين لأهمية توظيفها.
4. معظم الأنشطة الدرامية تمارس من خلال اللعب, مما يجعل المعلمين متخوفين من أن تجعل الأطفال لا ينظرون إلى عملية التعلم بجدِّيَّة.
اللعب والمنافسة في الفعاليات المسرحية للأطفال:
للعب أهمية كبيرة في حياة الأطفال, ولو قمنا بتحليل الألعاب الطفولية سنجد أنه يوجد فيها جميعاً عنصر المنافسة. ويمكن استغلال عنصري اللعب والمنافسة في الأعمال الدرامية التي توظَّف في التعليم والتعلم إذا تمت مراعاة المبادئ التالية: (يعقوب,2001).
1. ألعاب المسرح هي محفزات لتطوير القدرات الخلاَّقة عند الطفل, وليست شيئاً يفرضه الكبار الذين يظنون أن ذلك هو عالم الطفل, حيث لا يمكن تحقيق شيء آخر أكثر من محاصرة مخيلة الطفل.
2. في الألعاب المسرحية يجب مشاركة جميع أطفال الصف, ويجب ألا يكون عملاُ مقتصراً على اختيار الأفضل من الطلاب للقيام بالتمثيل واختيار البقية كجمهور, بل يكون الطفل هو الجمهور والممثل.
3. يجب أن تمضي الأشكال والحلول على خشبة المسرح نحو الحل في شكل لعبة وليس من خلال آراء مسرحية متعارف عليها في مسارح الكبار ليست مفهومة من قبل الصغار.
4. يجب أن يكون لعنصر اللعب حضور دائم, وإن كان على طريقة منهج البروفة أو عن طريق الإرشاد المحفز.
5. الحل الأخير للألعاب المسرحية يجب ألا يأخذ صفة تمثيلية أو استعراضاً بالمعنى التقليدي للكلمة, بل يجب أن يكون لها منحى تعليمي تربوي.
توظيف الدراما في تنمية قدرة الطلاب على سرد القصص :
أثبتت الدراسات بأن قيام الطلاب بتمثيل القصة بعد سردها عليهم من المعلم يجعلهم يستطيعون سرد القصة بأسلوبهم مرة أخرى بكفاءة أكبر من أولئك الطلاب الذين لم يقوموا بتمثيلها (sun,ping, yun 2003) حيث يصبح الطلاب أكثر قدرة فيما يلي في هذا المجال:
o الإحساس ببناء القصة.
o الربط بين الأحداث ودمجها عند سرد القصة.
o زيادة حب الاستطلاع لدى الأطفال حول القراءة والكتابة.
o زيادة دافعية الطلاب للتعلم.
o التنبؤ بالأحداث التالية في القصة.
ومن الموضوعات التي تصلح لذلك من مقرر الصف الخامس الأساسي الجديد : موقف حرِج ( لعبد التواب يوسف ) ، حكمة قاضٍ ( ليف تولستوي ) ، حكايات من التراث .
توظيف الدراما في تنمية المفردات اللغوية لدى الطلاب:
تلعب مهارة امتلاك المفردات دوراً كبيراً في تحسين القراءة والكتابة لدى الطلاب. ويمكن استخدام بعض التقنيات الدرامية في تقديم المفردات الجديدة بدلاً من تقديمها لهم بأسلوب جاف أو باهت. ومن الأساليب الناجعة في هذا المجال عرض المفردات الجديدة في بطاقات ووضعها في صندوق خاص يسمى "صندوق المفردات" ثم استخراج هذه البطاقات بطاقة بطاقة, ويطلب إلى أحد الطلاب تمثيل مضمون الكلمة المكتوبة بالحركات (توضيح معنى الكلمة بالتمثيل الصامت) لكي يخمنها باقي الطلاب.
ومن الأساليب الناجعة أيضاً عمل مسرحية هزلية قصيرة (اسكتش) يستخدم فيها عدد من المفردات الجديدة بحيث يُفهم معناها من خلال السياق في الأداء المسرحي, ثم تتم قراءة موضوع القراءة أو النصوص الذي يحتوي على هذه المفردات. وزيادة في الفائدة يمكن للمعلمين أن يصنعوا قائمة بالمفردات الجديدة ويطلبوا من الطلاب أن يستخدموا هذه المفردات الجديدة في كتابة قصص قصيرة.
توظيف الدراما في تحسين الكتابة الإبداعية لدى الطلاب :
كيف تزيد الدراما من تطوير تعلُّم القراءة والكتابة لدى الأطفال ؟ وكيف توضح كتابة الأطفال فهمهم لكتب القراءة والكتابة ؟ قام كل من كرومبلر وشنيدر (Crumpler & Schneider 2002) بدراسة تحليلية للكتابة في الصفوف الأول والثاني والثالث ليجيبوا عن هذين السؤالين. في الصف الأول قرأ المعلم وطلابه كتاب "أين توجد الأشياء المتوحشة" (Sendak, 1963). بعد ذلك وضع المعلم طلابه في دور "شيء متوحش", وبذلك أتيحت لهم الفرصة كي يشاهدوا القصة من منظور الشخصيات الموجودة في الكتاب. بعد ذلك سألهم المعلم عدة أسئلة (في هذه القصة كيف نجوا في جزيرتهم), هذه الأسئلة ساعدت الأطفال في أن يشرحوا شخصياتهم. في عملية الدراما طوَّر بعض الأطفال شخصية جديدة هي شخصية ماكسينا (Maxina) التي كانت الأخت الكبرى لماكس (Max). في اليوم التالي أخذ المعلم هذه الشخصية الإضافية ووزع الأدوار على الأولاد على أنهم ماكس, والبنات على أنهن ماكسينا لكي يسافروا في رحلة العودة إلى الجزيرة. طلب المعلم من الأطفال أن يحددوا ما الذي يمكن أن نحتاجه في رحلة العودة هذه إلى الجزيرة. بعد أن "وصلوا" إلى الجزيرة طلب المعلم منهم تحديد ما شاهدوه هناك. بعد إنهاء هذا النشاط قضى المعلم والطلاب عشر دقائق في مناقشة ما كانوا يفكرون فيه. بعد ذلك طلب المعلم من الطلاب أن يجيبوا عن السؤال التالي: فكِّر في الرحلة إلى الجزيرة , وارسم واكتب ما تحبه وتفكر فيه . في كتابة الأطفال يبدو هذا النشاط الدرامي أنه يزيد من قدرة الأطفال على تحديد الحدود الفاصلة بين القارئ / والكاتب وبين الشخصية / الممثل, وإبداع نص متطور (معقد) وتخيُّل العلاقات كتطوير للكتَّاب.
في الصفين الثاني والثالث درس المعلم والطلاب موضوع المهاجرين. قضوا عدة أيام في القراءة ومناقشة قصص المهاجرين من أدب الأطفال, وبدأ الطلاب في إبداع مشهد أو مشاهد ثابتة (تمثيل صامت) من خبرات المهاجرين. بعد ذلك كان على الطلاب أن يكتبوا عن دور شخصياتهم في المشهد حول ما يفكرون فيه. بالإضافة الى ذلك عمل الطلاب وثائق مكتوية خاصة بالمهاجرين مثل جوازات السفر وألبومات الصور. قرأوا الوثائق الخيالية وغير الخيالية , وعملوا برنامجاً إذاعياً عن حياة المهاجرين. نتيجة لذلك فإن الطلاب لم يتعلموا عن خبرات المهاجرين فقط , بل تعلموا أن يكتبوا أدوارًا من وجهات نظر الآخرين, وأن يكتبوا لأغراض مختلفة, ويكتبوا في نواحٍ أدبية مختلفة.
من خلال المنهاج السابق يطوِّر الأطفال فهماً أقوى عن الدور والعلاقة التي يمكن أن تتضمنها الكتابة في حياتهم(Schneider & Jackson 2000).
المراجع والمصادر
1 ـ حسين ، كمال الدين ( 2002م ) : المسرح وتعليم اللغة للأطفال
ورقة مقدمة إلى المؤتمر السنوي الأول لمركز رعاية وتنمية الطفولة " تربية الطفل من أجل مصر المستقبل ـ الواقع والطموح " المنعقد في 28/2/1425 هـ
2 ـ يحيى ، رافع ( 2004م ) : المسرح للطفل . . تعليم ولعب
http://www.adabatfal.com/modules.php...ticle&sid=523#
( Accessed 1 October 2004 )
2- : Sun, Ping-Yun ( 2003 ) : Using Drama and Theatre To Promote Literacy Development : Some Basic Classroom Applications
ERIC Identifier :ED477613
3 - Alber, S. R., & Foil, Carolyn R. (2003). Drama activities that promote and extend your students' vocabulary proficiency. "Intervention in School & Clinic", 39(1), 22-29.
4 - Crumpler, T., & Schneider, J. J. (2002). Writing with their whole being: A cross study analysis of children's writing from five classrooms using process drama." Research in Drama Education", 7(1), 61-79.