السحب كثيفة والمطر ينهمر .. والطيور تهرب الى أعشاشها .. كان الظلام قد غطى الحي .. والناس يهرولون مسرعين غير مهتمين ، بتلك العجوز وهي داخل بيتها القديم ، فكل شيء قد يصبح خراباً بعد قليل .
على مرقدها الصغير غطت جسدها الواهن ، ظهرت من تحت الغطاء عيناها الضعيفتان .. أهو هلع أم انتظار لما هو آتٍ .. وهي ترفض أن تنادي على من هم يركضون من دونها .. والعاصفة تقترب .
قال لهم عراف الحي : القيامة بعد أسبوع
لم يولوه اهتماماً إلا عندما رأوا في الأفق إنذاراً بالقيامة .. او هكذا خيّل لهم بأنه كان على حق .
قيل في ذاك اليوم أخفى المخمور زجاجة الخمر ودلق على جسمه قنينة من العطر النفّاذ حتى يضلل عن حقيقته ، واعترف الزوج لزوجته بأنه كان يخونها وأنّ له ابناً من الحرام ، اشترطت عليه قبل أن تسامحه أن يسامحها هي الأخرى ، لأنها كانت تخونه في ماله . ومامن ساكن في الحي إلا وكانت له خطيئة يريد من الآخر أن يغفرها له .
صاح عراف الحي في الملأ : إنني أكذب وماكنت أصدق بأن نبوءتي سوف تتحقق .. صَدقَ هو الآخر نبوءته !
يرسم البرق وشاحاً ، ويزداد هزيم الرعد ، و العجوز ظلت صامدة ، والطمأنينة تغشى صدرها ..وبضعة طيور أليفة قد ضلّت طريقها إليها واتخذت من بيتها مأوى لها .. وكلب لاهث يحتمي بالحائط .. وصارت القطط صديقة للفئران .
قالوا : إنّ العاصفة لم تستمر أكثر من دقيقة او دقيقتين بينما تجادل آخرون أنها استمرت لشهر اويزيد هكذا قالوا .
دار في عقلها .. هل سوف تنجو من زلزال العاصفة ، هل مابنته طيلة حياتها السابقة كافٍ لنجاتها ، ظلت قابعة داخل بيتها وأبوابه تكاد أن تُنخلع من مكانها ، كانت قد تزودت كثيراً لمثل هذه اللحظات ، بقوة تستمدها من مكان ما في روحها .
وعندما عاد الجو الى صفائه .. طلق الزوج زوجته بعد أن تشاتما ، والمدمن بحث عن زجاجة خمره .
السارق قال : إن المال خاصتي
عراف الحي قال للملأ : ألم أقل لكم إني أعلم مالا تعلمون
وألوان قزحية في كبد السماء كأنها تبتسم للعجوز ، التي توكأت على عكازها ، وبدأت في إصلاح ما تصدع من بيتها .
الخرطوم/12 / 2 / 2013
يحيى البحاري