وللحق فنونه وآدابه ..
يقال إن الحق مرّ ، ربما كان ذلك صحيحاً ، فإنه دواء للأمراض والعلل ، والدواء ليس لذيذاً على أية حال ، ولكن نهايته حلوة نافعة ..
ومع ذلك فإن تقديم الحق والحقيقة للناس له فنون وآداب وذوق ..
استوقفني كثيراً ما فعله الصديق يوسف عليه السلام مع صاحبيه في السجن ، عندما أخبره كل واحد منهما برؤياه ، أحدهما رأى أنه يعصر خمراً ، والآخر رأى أنه يحمل فوق رأسه خبزاً تأكل الطير منه ..
يوسف أيها الصديق نبئنا بتأويله ، إنا نراك من المحسنين ...
أحدهما سيخرج من السجن ويسقي ربه خمراً ، والآخر سيصلب .. هذه هي الحقيقة ..
ولكن كيف قال لهما يوسف عليهما السلام هذه الحقيقة ؟
هل قال للذي سيصلب : أنت يا فلان ستصلب ؟
كلا ..
ولنقرأ :
( يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ )
ماذا قال الصديق ؟
أما أحدكما ، أي لم يحدد أحداً .. واحد منكما سيصلب وتأكل الطير من رأسه ، وكلنا يعرف من هو ، ومع ذلك كان أسلوب الصديق رقيقاً أنيقاً مراعياً لمشاعر المقصود بالصلب ..
نعم .. أما أحدكما .. إنها أخلاق النبوة ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى خطأً يصعد المنبر ويقول :
ما بال ( أقوام ) ..
كلنا عرفنا من منهما سيصلب ، ولكن ما الذي سنخسره لو قدمنا الحقيقة بأدب وأخلاق وذوق !
وقضي الأمر الذي فيه تستفتيان ..