ما الذي لا أم له ؟
محمد نعمان الحكيمي
Mohammad Noaman Ali Al-Hakimi
اليمن- تعز
تخونك كل معاجم البيان والسحر والإطناب ـ حتماً وأنت بصدد زعمك الحديث أو الكتابة عن الأم.. أو حتى محاولة تهجي عوالمها الفردوسية وملكوتها التبري.. أي وجدان هذا الذي باستطاعته أن يحدث عنها.. ويستطيع الوقوف أمام هذا المد الإنساني الدفاق المحفوف بحب الله تبارك وتعالى؟!
كيف له أن لا تذيبه سكراته في حضرة ذلك الجلال.. ولايتعطل وجدانه امتناناً عند «جناح الذل من الرحمة» ولايتشظى كيانه كلما اقترف إثم إدعاء التماهي النسبي مع هذا القدر النوراني العظيم!!؟
وكيف بمن يزعم الإيفاء لكائن مده الله بالسر من لدنه.. فتضوعت بالكائن «الأم» الحياة، وازدانت بها الآجال امتداداً وبهاءً، وبسطت أعظم الخيرات لأجلها.. وصنعت الرعاية الإلهية على عينها إكراماً وإجلالاً فكانت أول لفظة يترنم بها كل رضيع مولود.. وبها يتودد «ماما»!
الأم تجريس ضوئي في وهج القلب ورهج الوجدان.. الأم مرفأ دفءٍ وسلام.. ومحضن دعةٍ وأمان.. وملاذ مبذول الود ومبسوط الرحمة لكل نفسٍ على المعمورة يلوذ بأكنافها نافحة الطيب.
الأم نسمة تجديد روحية.. ونفحة كريمة لكل القلوب الراغبة في طيبها وسعة قبولها وانشراحها الدائم.
الأم قرة عين الدنيا.. ماأجملها تتوهج من أجل الحب وإكرام الناس.. وترغب في كل ذواتٍ وشرائع تلغي الإنسان!
قد مات الذي لا أمَّ له.. وانتهى.. وكيف لا وهي الخفض الذي يدغدغ القلوب.. والتهويمة التي تسكن التباريح المتعبة والأفق العطري الذي تتلاشى في أحضانه لفحات الزمن المثخن بالوحشة.
«يظل الرجل طفلاً حتى تموت أمه، فإذا ماتت شاخ فجأة..» هكذا يزعم صاحب هذه الإشراقات الذي لاأتذكر اسمه.. ولا في أية لافتة ضوء استجليته.
فكيف بمن تموت أمه.. وتموت أمه.. وتموت أمه، تموت كل أنصاف وأرباع وأشباه بدائل عن أمه؟! كيف بمن لا كنف ولا محضن ولا ظئر مرضعة! وكيف بمن لا دار ولا أرض ولا وطن!؟ بل وطن ينبض بالحياة كما ينبض هو بالضمير الحي والامتنان الغامر بالحب والوفاء الطافح بالمحبة؟!
كيف بمن له ـ لم يزل ـ أم كبيرة بحضن حميم وافر ولم يدرك بعد سعادته بروعة وجودها العظيم.. وشقاءه وهو يقحمها كل حين في الضياع، ويهوي بها ـ جاحداً ـ في الخراب!