|
سرى بك في البيداءِ قلبٌ مؤمِّلُ |
لبغدادَ نطوي الدهرَ والحلمُ يزجلُ |
يحطُّ بقصرِ الخُلدِ في الليلِ رحلَه |
وهل لسواهُ رفرفُ الشوقِ يرحلُ؟ |
على بابِه تُمسي الأماني وحاجبٌ |
يذودُ زحامَ الناسِ عنه ومِشعلُ |
أُشيرُ بدينارٍ إليه مذهّبٍ |
فيغمزُ عينًا بالدخولِ ، فأدخلُ |
.... |
..... |
هنا قاعةٌ غصّت بكلِّ منافقٍ |
يمورُ بما يحوي بلاطٌ ومحفلُ |
وها أنا في قصرِ الخليفةِ حائرٌ |
وحولي عيونُ القومِ ما انفكَّ تسألُ |
تفحّصني في القصرِ كلُّ مدجّجٍ |
بسيفٍ وكفٍّ كالحوادثِ تنزلُ |
وقد رابهم وجهي وشكلُ ملابسي |
وكلُّ مُريبٍ للعساكرِ مشكِلُ |
يجسّون خدًّا ما توشّحَ لحيةً |
ويُضحكُهم مني قميصٌ وبنطَلُ! |
فهل أنت قوطيٌّ؟ يسائلُ حارسٌ |
ومِن أين لي غرناطةٌ وطُليطِلُ! |
يقولُ كبيرٌ للعساكرِ واثقًا: |
مخنّثُ رومٍ جاءنا يتسوّلُّ! |
بلعتُ صدى ضحكاتِهم متحمّلاً |
فحالي مَهولٌ يقتضيه التحمُّلُ |
أنا عربيٌ جرّدوني عباءتي |
بلبسِ غُزاتي اليومَ ذا أتمثّلُ |
وحفّت لِحانا منذ دهرٍ هزائمٌ |
فليست على وجهِ المماليكِ تجملُ |
فقلْ لأميرِ المؤمنينَ كرامةً: |
ببابِك من مستقبلِ العُرْبِ مُرسَلُ |
.... |
.... |
تخفّفَ قبلي راكضًا كلُّ شاعرٍ |
يعودُ سعيدًا وهو بالمالِ مُثقلُ |
وألفيتُني وحدي أشدُّ عزيمتي |
وأربطُ قلبًا بالمنى وأعلّلُ.. |
دخلتُ وأقدامي الثقالُ تخونني |
وها أنا قُدّامَ الخليفةِ أمْثلُ |
تنحنحتُ والأعيانُ ترمقُ هيأتي |
وقلبيَ في أضلاعِه متوجلُ |
ألملمُ أطرافَ الشجاعةِ جاهدًا |
ويجري على خَفْتٍ لساني المكبّلُ: |
.... |
.... |
أيا صحبَنا عُوجوا بنا وتمهلوا |
بدربِ ارتحالٍ كلّما لاحَ منزلُ |
أشمُّ شذى سلمى وطيبَ مراحِها |
بكلِّ ديارٍ قد عفاها تحوّلُ |
فليت ديارَ الشامتينَ ديارُها |
فشتّتهم بينٌ وطوّحَ محملُ |
وأحرى بهم دارُ اغترابٍ ووحشةٍ |
وأحرى بنا أُنسُ الحبيبِ ومعقلُ |
فما بدّل القلبُ الكئيبُ بكم هوىً |
وشغلاً ولا استدعى الخليَّ تعطّلُ |
ولكنه كربٌ ألحَّ بأمةٍ |
لأكبرُ من همِّ الحبيبِ وأثقلُ |
فليس لسلمى بي على الحبِّ حاجةٌ |
ولكنْ لمولاي الحوائجُ تُبذلُ |
... |
.... |
إليك أميرَ المؤمنينَ انتهى الندى |
وفاءَ غريبٌ للغياثِ مؤمِّلُ |
بكفِّك تُحيي في الرعيّةِ ميتًا |
وفيها المنايا للأعاديِّ تقتلُ |
أظلّك للإسلامِ في الأرضِ ربُّهُ |
فأنت من الرحمنِ غيمٌ مظللُ |
أيا سيدي إني من الغدِ قادمٌ |
إذا رابك الشكلُ الغريبُ المهلهلُ |
جناحاك قُصّا والبلادُ تشرذمتْ |
وفي بيضةِ الإسلامِ يُحتلُّ موئلُ |
تخفّفَ من ديباجِه مجدُ أمتي |
وحطَّ عليها إذْ جثا الجدُّ كلكلُ |
تنوءُ بأرزاءِ احتلالٍ مقنَّعٍ |
ويفضحُ قنْعَ الأجنبيِّ تدخُّلُ |
أتيتك والرومانُ في كلِّ بقعةٍ |
وأجنادُ كسرى في العراقِ توغّلوا |
وبغدادُ قد عاثَ التتارُ بصحنِها |
مشاعٌ لشذّاذِ الأنامِ ومحفلُ |
إذا علقميٌّ مات قام حفيدُه |
يقودُ لغازٍ مركبًا ويذللُ |
يخيّمُ ليلُ الهُونِ فوق شآمِه |
ويُرمدُ سامرّاءَ آخرُ أكحلُ |
تصدّقني لو قلتُ قدسي سبيّةٌ؟ |
ويا ليت اني كاذبٌ متقوِّلُ! |
أمَا والذي أسرى إليها بعبدِه |
أُشيحُ بوجهي عن رؤاها وأخجلُ |
فكل حديثٍ حولَها شوكُ غصةٍ |
وكلُّ مصابٍ بعدَها متقبَّلُ |
... |
.... |
وحانتْ إلى السلطانِ مني التفاتةٌ |
فرابَ فؤادي غيظُه وتملمُلُ |
أظنّ قصيدي قد أثارَ حميّةً |
به!..حسنٌ إني نجحتُ،سأكملُ: |
.... |
.... |
ومعتصمٍ باللهِ نادتْه حرّةٌ |
فلبّى نداءَ المستغيثةِ جحفلُ |
أجرني أبا إسحاقَ من وصمِ ذِلّةٍ |
بنا فلقد أزرى بقومي التذللُ |
فكم حرّةٍ عاثَ الجنودُ بعِرضِها |
تنادي وما إلا الصدى المتنقلُ |
وكم فتنةٍ قد أطلقوا من عقالِها |
تثيرُ دفينًا في الورى وتبلبِلُ |
وفي المسجدِ الأقصى طغى..وتروعُني |
هنا صيحةٌ مثلَ الهزيمِ تجلجلُ: |
صهٍ أيها الصعلوكُ مَن كنتَ كائنًا |
لقد ساءنا هذا الهراءُ المضلِّلُ |
تسوقُ على أحلافِنا زيفَ باطلٍ |
وتُبرمُ في حبلِ الخداعِ وتفتلُ |
وليس لهذا الشعبِ شأنٌ بحكمِه |
فكيف غريبٌ عندَنا يتطفّلُ؟! |
خذوه فجُرّوه وفي جذعِ نخلةٍ |
ألا فاصلبوهُ..(حينَها ابتلَّ بنطلُ!) |
.... |
.... |
لقد أيقظتْني عُجمةُ الصوتِ آخراً |
وأين أبو إسحاقَ والمتوكلُ! |
تفرّد بالسلطانِ مولىً وخادمٌ |
ولابنِ بُويهٍ قامَ مُلْكٌ مؤثَّلُ |
... |
.... |
على الجسرِ مصلوبًا أنا وقصيدتي |
ومِن رأسيَ الغربانُ والبُومُ تأكلُ |
فيا وطنًا من حاضري هِمتُ شاردًا |
وها أنا في أمسي المزيّفِ أُقتَلُ |
سفحتُ مِدادي فاستباحوا به دمي |
عسى من دمي المسفوحِ يطلعُ سنبلُ. |