لم يعد غريبا أن تجد في تونس أحد أكثر المجتمعات العربية انفتاحا على الغرب، نساء تجاوزن العقد الرابع ومازلن عانسات، في وقت أصبح فيه العمل والدراسة من أولويات المرأة في تونس.
وكشفت آخر الإحصائيات الرسمية التي وردت في التعداد العام للسكان الذي أجرته الحكومة في أواخر عام 2004، أن نسبة العنوسة في تونس بلغت 38 بالمئة عام 2004 ليرتفع عدد العازبات الى أكثر من مليون و300 ألف امرأة من مجموع نحو أربعة ملايين و900 ألف أنثى في البلاد، مقارنة مع نحو 990 ألف عازبة عام 1994.
وتأتي المرأة التونسية على رأس النساء العربيات من حيث التحرر والمشاركة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية، حيث تشغل نحو 20 بالمئة من المقاعد في البرلمان التونسي الذي يهيمن عليه انصار الحكومة، إضافة الى أنها ستحظى بداية من الانتخابات البلدية القادمة في مايو / أيار المقبل بنسبة 25 بالمئة من المقاعد، هذا الى جانب أن حقيبتين وزاريتين في الحكومة من نصيب النساء.
وفسر باحثون في علم الاجتماع تفاقم ظاهرة العنوسة بتفتح المرأة التونسية أكثر من أي وقت مضى على المجتمعات الغربية، وميلها الى تحقيق استقلالها المادي والمعنويين إضافة إلى سعيها للتحرر الاجتماعي، هذا إلى جانب تفضيل فئة منهن العيش خارج الروابط الزوجية التقليدية.
وقال المهدي بن مبروك، وهو باحث اجتماعي تونسي، لرويترز: "هناك تحولات قيمية في المجتمع حيث برزت إشكال جديدة للإشباع العاطفي وتراجعت قيمة الأسرة والزواج مقارنة بالأنماط الأخرى من العيش".
وأضاف: "إن نسب الطلاق المرتفعة جعلت هناك حذرا وعزوفا متزايدا لدى الفتيات والفتيان على حد سواء هذا الى جانب التفتح الكبير على حضارات غربية مما جعل الزواج يتراجع في أولويات الفتاة في تونس لحساب الدراسة والتحرر المادي والمعنوي".
وأشارت دراسة حكومية نشرتها وزارة العدل الى أن عام 2004 سجل نحو 16 ألف قضية طلاق في تونس، من بينها عشرة آلاف قضية صدرت بشأنها أحكام. في المقابل تؤكد أطراف أخرى أن خروج المرأة للعمل وتحملها مسؤوليات مهمة جعل سن الزواج يتأخر اضطرارا او اختيارا أو يفوتهن نهائيا. وقدر التعداد العام للسكان في أواخر 2004 عدد النساء العاملات بنحو 733 ألف امرأة مقارنة بنحو 500 ألف امرأة عاملة سنة 1994.
وتقول سلوى التي تجاوزت 39 من العمر ولم تتزوج بعد، وهي موظفة في بنك: "إن تأخر سن الزواج متفش خصوصا في المدن الكبرى، حيث تفضل اغلب الفتيات هنا بناء مستقبلهن قبل أي ارتباط خوفا مما قد يخفيه الزمن من مفاجآت". وتضيف سلوى بحسرة غير خافية: "أنا غير محظوظة.. لو يعد بي الزمن لن اختار نفس الطريق سأفضل الرجل على العمل.. في هذه السن المتأخرة نكتشف نحن الفتيات أهمية وجود الرجل في حياتنا وينتفي أي شيء مقابل الإحساس بالدفء الأسري".
وفسرت دراسة أعدها الديوان التونسي للأسرة والعمران البشري الحكومي، التحولات التي طرأت على أنماط الزواج في تونس بأنها تعكس في حد ذاتها العديد من التغيرات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي طرأت على حياة السكان في تونس. وأضافت أن ارتفاع نسب غير المتزوجات في الفئات المتقدمة نتج عن تغير وضع المرأة تبعا لتحسن وضعها القانوني باكتسابها حقوقا إضافية.
غير ان تكاليف الزواج المرتفعة وشروط العائلات المجحفة وتفضيل عديد من الفتيات مواصلة دراستهن الجامعية، أسباب لا يمكن تجاهلها في تراجع إقبال الذكور على الزواج وتفضيلهم حياة العزاب في مواجهة تحديات المستقبل. وتدفع فتيات أخريات بأن اختيار نمط عيش يتسم بالتحرر والسعي للزواج بعد قصص حب هي أحد أهم أسباب تفشي العنوسة والزواج المتأخر لدى عدد كبير من التونسيات.
وتقول نادية، وهي عاملة بإحدى الإدارات في العاصمة وعمرها 34 سنة: "اخترت أن أتزوج عن حب ورفضت العديد ممن تقدموا لي غير أن الرجل الذي امتدت علاقتي به نحو سبع سنوات اختار أن يتزوج قريبته في الأخير، وان يرضي عائلته وتركني أتخبط في وحدتي وعنوستي". وأضافت: "لقد ندمت لأني اخترت هذه النمط من العيش وأضعت سنوات غالية من عمري".
ويحذر علماء اجتماع ورجال دين من انعكاسات هذه الظاهرة التي قد تنتج تهرما في المجتمع وتجعل تجدد الأجيال غير مضمون، إضافة إلى ما قد ينجم عنها من انحرافات في سلوك الشبان