أحبابي آل الواحة الكرام ..
سلامُ الله عليكم ورحمته وبركاته
هاهي شمسُ الأصالة بزغتُ ونفحتِ الذكرى عبيرها في الأجواء الحالمة , وتربَّعتِ الدموع على الخدود شوقًا وحبًّا وفرحًا وحزنًا , كيف لا ؟ وقد وقعتْ أقدامي على ثرى العراق الأبيِّ , وعياناي أبصرتا شعبها المناضل القويّ , أخذتُ أتجوَّل بين حنايا هذه المدينة المترعة بالخيرات التي دمّر الكثير منها عين الحسود ويدُ الباغي , فإذا بي أرى فارسًا قادمًا من بعيد يتأمَّل جنَّة الله في أرضِ ( الموصل ) يمشي جواده بتأني وعزة وكأنَّما هو أميرٌ مجهول , ترجَّل عن فرسه وجلس مرتاحًا على ضفاف دجلة , تغوصُ رجليه بين الأعشاب الندية , التقط زهرة ملقاةُ وأخذ يداعبُ بتلاتها الرقيقة , توَّجت شفتيه ابتسامة صادقة , عذبة , لكأنَّها ابتسامةُ حنينٍ ! ثم أطلق بصره ينظرُ بسموٍّ إلى الأفق , كنتُ خلفه أرفع أصابع قدمي وأسير بخفة نحوه , ترددتُ كثيرا في الاقتراب منه والوجل يقرعُ قلبي , استجمعتُ كل ذرَّات الشجاعة وأكملتُ سيري حتى وصلتُ إليه , وهو لايحرِّكُ ساكنا , مسافرًا في عالمه الخاص متفكِّرا فيه , ألقيتُ عليه التحية ونظرتُ إلى عينيه مباشرة بفضول , كانتا تنطقان بقصص مبهمة اتضحت بعضُ معالمها الإنسانية الشريفة واختفت بعضها , شعرتُ بحيرةٍ في أمره وشرعتُ في الكلام : لكم سمعتُ عن العراق ودرستها في منهج التاريخ لكني لم أكن أتوقعها بهذا الجمال الذي رأيته ماثلا أمامي , العراق فيها مجدنا وحضارتنا العريقة , فيها حكايات أجدادنا التي خُلِّدت في الصحائف والقلوب , فقد حوت خلفاء المسلمين واتسع صدرها للجميع , أيها الفارس الشجاع إني لأرى فيكَ حكمة وصبرًا وهذه لاتتأتَّى غالبا إلا لمن مارس الحياة وجرَّب حلوها ومرَّها وناسها , فهلاَّ أخبرتني عنكَ بعد إذنك علَّي استفيد من علمك وفكرك المنير ؟
أجابني عن نفسه بكلِّ سرور نطق من أعماق قلبه قبل لسانه :
أنا خليل ابراهيم الطائي , ولدت في اللحظة التي أعلن راديو صوت العرب من القاهرة خبر هزيمة , وأصر جدي على تسميتي باسم (سالم ) ولكن أمي قالت إنه الخليل لأنها وجدت بي العوض عن أخي الأكبر حين اختطفه الموت المفزع ,وهو الطفل المعجزة ذو الوجه القمر, وشعره الاحمر, وعيناه الزرقاوتان ,وألمعيته في الرياضيات .
كانت تقول أن عين الحاسد جعلته يقفز في إناء السكر المغلي المعد لصناعة الحلاوة , كانت أياما موجعة عاشها بيتنا بين الدمع والحنين واليقين بقدر الله بتوالي الخسائر !
علمني أبي أن أعمل بيدي في صنع الحلويات ,وأعمل بعقلي في صنع التميز في المدرسة في آن واحد , حتى جاء عام ودخلت جامعة بغداد مغتربا لأدرس الهندسة الميكانيكية , ثم بعد التخرج قدمت أوراقي الى منظمة الطاقة الذرية في بغداد أيضا ثم جاءت الطائرات الأميركية في حرب ثعلب الصحراء لتقصف الموقع وتحيله إلى ركام , وتتواصل الخسائر في بلدي الجريح ..!
حينها عدت الى التجارة ورزقني الله تعالى وجاهة اجتماعية جعلت الناس تثق بمعاملتي , وحققت الكثير من النجاحات في تجارة المكسرات , والتي يسميها اهلي في الموصل ( جرزات ) حتى أمسيت أملك أشهر المحلات في شارع الجامعة وهو أشهر شارع في الموصل وأسميت المحل تسمية أدبية , جرزات تاج العروس , وهو اسم كتاب هو قاموس لغوي للزبيدي اليمني
طوال المرحلة كانت الهزيمة تؤرق مضجعي وتعمقت في فلسفة التخلف طارحا اسئلة وجودنا ...!!
لماذا خسرنا الحروب ؟ لماذا نخسر القدس؟
لماذا يرحل الشهداء ويظل الظالمين؟
لماذا يسقط اخي في السكر المغلي ويتركنا نتحسر مكانه المميز ؟
لماذا يستمر كل هذا ؟
هل الكراهية هي السبب ؟ أم إرادة القوة ؟أم أن السبب يكمن في ضعفنا الباطن !
هذه الأسئلة كانت حافزا للبحث عن الحقيقة التي لم أجدها فوق أرصفتنا الحزينة ولا في كتبنا ولا في مساجدنا وهكذا تتجدد المهمة , الآم الأمة تستنطق همتي وإمكاناتي , وقبل أربع سنوات قررت دراسة الشريعة أكاديميا فدخلت جامعة الموصل كلية التربية قسم علوم القرآن , لتبدأ رحلة مميزة
فقلتُ : لن تكون رحلةً مميزة إلا إن كان الإنسان مميزًا فيجعلها كذلك !
لنحيي جميعنا ضيفنا الفاضل الباحث والأديب / خليل حلاوجي
فأهلا وسهلاَ بك على مائدة قهوتنا الأخوية , وقبل الجميع أبدا بسألتي :
ماذا يعني لكَ الضجيج بصمت ؟
متى بدأت علاقتك القوية مع القلم ؟
متى شعرتَ بالندم ؟
ماذا تعني لك هذه الآية الكريمة ( وماقدروا الله حقَّ قدره ) ؟
ماذا تعني لك الواحة ؟
من هو سمير العمري في نظرك ؟
هل أغواك شيطانك يومًا ما وقرأتَ شيئا من كتاب الإنجيل أو شيئا من هذه الكتب مع العلم أنه لايجوز فعل ذلك حسب ماسمعت ؟
وحتى تكتمل ملامح قصة إنسان ونستفيد من سيرته , نفسح الطريق لإخوتنا الأعضاء ليوجهوا الأسئلة فنكتشف الكنوز المخبوءة وتكونُ لنا عبرة من ذوي الخبرة