ليلى
قصة ..
لا أذكر متى كتبتها بالضبط ، لكنها لا شك كانت في أيام عصيبة ، حيث كنا نستيقظ كل يوم على عشرات من التفجريات والقتلى والجثث المجهولة الهوية
ربما في 2006 .. ربما ..
وهي من بدايات كتاباتي
ارجو النقد والتصحيح ..
قفزت مسرعة وهي تحمل ملابس المدرسة الجديدة ، دخلت غرفتها مبتهجة لتقيسها ، فغداً أول أيام المدرسة ..
ليلى .. الفتاة ذات الثمانية ربيعاً يغمرها النشاط بكل معانيه ، فهي لا ترضى أن تفارق سنتها الدراسية إلا بعد أن تحصل على المرتبة الأولى ، متوقدة الذكاء .. مرحة .. لا تعرف الكلل أو الملل .. تقفز من هنا إلى هناك كغزالة تنطلق في البراري الواسعة الرحبة التي تكسوها العشب الأخضر وتحيط بها الأزهار من كل جانب ..
وكل يوم من أيام الدراسة تستيقظ من نومها وتغادر فراش الراحة والخمول إلى يوم مليء بالحيوية والنشاط ، وما هي إلا لحظات فإذا هي واقفة مع أمها في سجادة الصلاة تركع وتسجد في إيقاع متناغم منسجم مع حركات أمها ، ثم تضع رأسها في أحضان أمها تسمع آيات من القرآن الكريم بصوت شجي ندي ، ولا تنسى أمها أن تداعب شعر رأسها المنسدل على كتفها كشلال ، وإذا أرسلت الشمس بأشعتها الذهبية في الآفاق مع تنفس الصبح الجميل تقوم مع أمها لإحضار الإفطار ، لكنها سرعان ما تنسحب إلى غرفتها لكي تحضر كتبها ودفاترها وربما قامت بمراجعة بعض دروسها على عجل ..
وبعد تناول إفطارها وسماع صوت السيارة التي تقلّهم إلى المدرسة تودع أمها وبحركة سريعة انسيابية تستقر في السيارة ..
إنها كتلة من النشاط والحيوية والطموح التي لا تقف عند حد ..
ـ إنها جميلة .. جميلة جداً ..
سكنت قليلاً وكأنها نسيت شيئاً ..
ـ نعم .. لا بد أن اشكر أمي .. أوه .. لقد نسيت .
قالتها وهي تبتسم .
بسرعة غادرة غرفتها ليستقبلها أمها بابتسامة عريضة ، فترمي بنفسها في أحضانها وتنهال عليها بقبلات حارة حنونة ..
ـ شكراً ياماما ..
ـ ولكن عليك بالجد يا ليلى ..
فتجاوبها ليلى وعيونها تلألأ بإشراقة الغد ..
ـ إن شاء الله يا أمي الحبيبة ..
ومع آذان الفجر الخارق تستقبل ليلى يومها كالمعتاد .. صلاة وقرآن وإفطار ثم إلى سيارة المدرسة ..
انه اليوم الأول من الدراسة .. ستودع فيه ليلى أيام الكسل والخمول ..
وفي السيارة تتبادل ليلى التحايا من صديقاتها وتشارك معهم بهجة الدراسة أو مرارتها ، سهلها أو صعوباتها ..
ولا تنسى أن تشاكس بعض زميلاتها وتعاكسهم بروحها المرحة فتهمس بأذن صاحبتها الجالسة بجوارها ..
ـ أتذكرين عندما سألت المعلمة مريم عن دفتر القراءة ، بماذا أجابت ؟
ـ كلا ..
ـ قالت حينها أن أمها وضعته في التنور عندما كانت تخبز ..
انفجرت صديقتها ضاحكة بصوت عالٍ ، فتنتبه الأخريات متسائلات ..
ـ ما الذي يضحكك ..
ـ إنها ليلى ذكرتني بقصة مريم والتنور ..
فانفجرت الحافلة ضحكاً ..
فترد مريم في الحال وقد بدا عليها الغضب والعصبية ..
ـ إن ليلى لا تقول مثل هذا الكلام ، بل أنت من اخترعت ذلك ..
ـ اخترعت .. الكل يعرف هذا .. ومريم ليست مسكينة كما تظنين ..
فترد عليها مريم ولكن بروح فكاهية ..
ـ أنت دائماً تحاولين إثارة المشاكل بين الصديقات الحميمات ..
ـ يا الهي .. ما هذا يا ليلى ؟ هل هذا جزائي ..
توقفت السيارة أما باب المدرسة ، وبدأت الفتيات بمغادرتها بانسيابية لا تخلوا من التحارش .. بعضهن مفعمة بالنشاط وأخريات وكأن صاعقة من عذاب نزلت فوقها ، لأنها لا تعرف من أوقات الدراسة إلا ضيق الأنفاس والأسئلة الصعبة والدرجات المتدنية ..
وتأخرت ليلى في النزول من الحافلة ..
قدراً مرسوماً سيلقي بظلاله عليها ..
ما إن لامست قدماها أرضية الرصيف ، حتى اهتزّ المكان بدوي انفجار هائل رهيب ، تزلزلت كل ذرات الأرض ، وفقدت الأرض جاذبيتها .. وتبدلت معالم الوجود .. وخيّم على الأرض سواد مطبق .. وثناثرت الأشلاء .. وسالت الدماء .. واختلطت الكتب والدفاتر والأقلام بالدماء .. دماء الطفولة .. دماء الأمل والأحلام .. ارتفعت الأصوات .. وضجّت ..
وانفتحت حقيبة ليلى على مأساة الحرب الراهنة ..
تحياتي ودعائي