من كان على .... سفر
بقلم خليل حلاوجي
تأملت كثيرا" اعفاء الله تعالى للمسافر من الصيام فوجدت حكمة بالغة في ذلك .... الانسان العربي الذي بدا للوهلة الاولى انه ثابت المسكن مستقر المنزل الا ان الحقيقة انه كان في كثير من اوقاته مرتحلا" وقد ذكر القرآن ان لايلاف قريش رحلتين تجاريتين للشام واليمن
ولطالما ارتبط السفر بالغزو حيث تغير قبيلة ما ولسبب ما على جاراتها
حتى جاء الاسلام ليأخذ هذا الانسان العربي المرتحل فيبدأ في حشره مجبرا" الى الروح التعاونية فيحرم عليه الثأر ويلزمه الانقلاب من الولاء الفردي لاسرته وعشيرته الى ولاء ذي فضيلة وفضاء ارحب انه الولاء للدين الجديد الذي بدأ الجميع ممن انتموا تحت خيمته بالاعتزاز بالحمية وقانونها الجديد .... القصاص
ان اللبنة التي وضعها الاسلام في الانفتاح على اواصر علاقة جديدة هي ...( المجتمع المسلم ... ) حيث التكاتف والتراحم وصولا" الى الايثار
لقد كان لتحول فلسفة السفر وغاياته في الاسلام عما كان في جاهلية العرب دور هام في ثلب تلك النزعة الانطوائية او العدوانية بين القبائل المتجاورة وقل المدن ايضا"
فلا عجب ان يولد الرحيم محمد في نفس السنة التي سار فيها ابرهة الحبشة ليهدم بيت الله الحرام في مكة , ولنفطن ان تلك الرحلة هي الاخيرة منذ ذلك الزمن الى يوم الناس هذا !!!
لتنطلق من مكة جيوش الفتح الفكري بعد نجاح خطة الرسول في تخليصها من اصنامها وفتحها من دون ان تراق دماء القوم ولاتسبى اموالهم او ذراريهم وليستبين للكون مدى رحمة هذا الرسول وهو يعفو عمن أساء لدعوته وقال شعاره الماجد على التاريخ
... أذهبوا وانتم الطلقاء....
وعندما يعذر المسلم المسافر من صومه فان في ذلك اشارة خفية الى تقليص موجبات السفر اللهم الا اذا نادى منادي الجهاد فيهرع المسلم غير آبه لمن يعيل واطمئنانه بالروح التعاونية التي وضع اسسها اسلامه العادل.... وانها وربي لدالة على استبدال عدوانية الجاهلية بتعاضدية الاسلام مما سهل للفاتحين تجميع الجموع التي ارتأت الانضمام الى قوافل الفتح الحضاري ليخرج ذلك العربي من الجزيرة العربية الى اقطار الارض مبشرا" بمنهج محمد اللاعنفي حيث لااكراه لافي اسس التعامل في شؤؤن الدنيا ولا اكراه في رؤى الدين ايضا"
وهذا السفر الطويل ترك آثاره بوضوح فيما بعد فنال المجتمع من روح السلم والعلم والفن والمدنية في نمو مجتمعي منظم وفيه لم يعد الفرد خاضعا" لاهوائه ونزواته بل ارتبط بغايات اوسع ونظم وقوانين حضارية كانت الحجر الاساس التي شيدت به مدن عامرة مثل البصرة وبغداد والقيروان وحواضر الاندلس الرطيب بشكلها المدهش
هل فطنتم سادتي كيف اصبح السفر لهذا العربي الذي امتطى جواده ليغزو قبيلة جاورته وقد صار راكبا" ذات الجواد ليفتح مدن الارض ويعمرها ولا يغزوها وحالما يؤسس فيها نواة الحياة يترجل عن حصانه ليبدأ في تنفيذ اوامر الله العادلة كونه خليفة الله تعالى وشاهدنا آنذاك ما تعجبت الملائكة حينما خلق الله آدم وتبيم ان الملائكة توهمت الظن
(( ..... اني جاعل في الارض ... خليفة.. )) الآية
وهنا فقط شاهد الكون الاشعاع التجديدي ذو الصبغة النفعية والخيرية للرسالة المحمدية , هذا الشعاع فقد في بعض مراحل التاريخ نوره حينما خدعنا السلطان واستبدل شرعته على انها شرعة القرآن مما اعادنا الى النقطة التي بدأ الاسلام في معالجاته فعاد الحصان الى سالف عهده يتحين الفرص لينازع من يجاور فكان أذى المسلم على اخيه المسلم أفجع وابشع
حتى وصلنا الى أيامنا هذه ومانعانيه اذ طغى الحصان الغربي وممتطيه الكاوبوي الذي عبر الينا المحيطات حينما شاهد قابلية العرب على الاستغفال والاستعمار وصدق نفسه على انه هو من سيحرر انساننا بل ووصمنا اننا صرنا دول محور الشر اذ جاء هو يصحح ولاءات الشر ويحولها بزعمه الى .... خير
اليوم انا اذكر بعفو الله للصائم المسافر مبرزا حكمة عجيبة :
اليس المسلم الذي يقطع بفكره الثاقب جغرافيا الفكر وماآلت اليه حالنا فيبصر من تشوش بصره ويذكر من غفل ويشير لمن تاه ويستخرج ادوية امراضنا المستفحلة اليس هذ المسلم وهو يبذل المجهود النافع لمن يحيطونه من احبابه واخوانه ويجود بعبقريته في رسم الامل وطرقه والتفكير ووسائله خصوصا" ان الدين قد سكت فيه الناسكون اللاهثون خلف اقبية الاعتكاف او المساومة
اليس لهذا المسلم الاحقية في اعطاؤه دوره الاصيل في اكمال السفر لنبلغ معه الفصول الاخيرة من صورة الصراع الفكري بين اي ابرهة يريد ان يغزو ترابنا الاسلامي ومقدساته..... ام نجعل هذا المسافر صائم عن مهمته المجيدة هذه
لنصحو ذات صباح ونرى انفسنا ....كعصف مأكول
في ذلك اليوم ....سيبدأ الاسلام الذي قال عنه الرسول
وسيعود الاسلام ... غريبا
اللهم الحقنا بك لا فاتنين ولا مفتونين ... اللهم آمين