كم منزلٍ في الأرضِ يألفُه الفتى = وحنينه أبدًا لأوَّلِ منزِلِ
نعرفُ قيمةَ الملحِ حينما نفقده وكذلك قيمة الأوطانِ لانعرفُها إلا حينما نغتربُ عنها !
ذكرى الوطن والحنين لساكنيه يُهيِّجُ خاطري , فكلَّما أخذتُ حفنةً من ترابٍ أتاني طيف موطني فتستهلُّ الأدمعُ وتُغرقُ خدي !
وكما نعلمُ (الأصالةُ , الشموخُ , العزةُ ) كلماتٌ نفتخرُ بها ونمتدحُ بها البلدة التي ترعرعنا فوق أرضها ونسجنا أحلامنا عند روابيها , نلهو , نمرح , نبكي , نتألم , وهي مازالت كما هي الأمُّ الرؤوم تحضننا ونستقي من أثداء نبعها حدُّ الارتواءِ وزيادة , ولانخالُ أنّا شبعنا من حلاوةِ أحرفها التي تعانق شفاهنا وأقلامنا وأفئدتنا .
لكم رأيتُ من الاحتفالات الوطنية مارأيتُ فيها من بَهرجٍ وزُخرفٍ وقصائدٍ فاخرةٍ تُلقى , وألحانٍ فدائيةٍ تُردَّد , وورودٍ يانعةٍ تُنثرُ في دروبِ الحلمِ الناعسِ طرفهُ , الغارق قلبه في أوهامٍ هربتْ من طعناتِ الواقعِ المُرِّ, وأكتشفُ بعد انتهاءِ هذا اليوم تلاشي هذا الحبُّ والتغني بالوطن إلا من نزرٍ يسيرٍ مخلصٍ يقولُ ويفي ولايكتفي بالجعجعةِ دونَ طحينٍ !!
ياقومي وياأمتي التي سبحتْ في تيَّارِ الكسلِ والاعتمادِ والتواكل , أما آن أن نربي أبناءنا ( أبطالُ المستقبل ) على تطبيق حُبِّ الوطنِ بالأفعال والمساهمةِ في رقيِّه والخلافة لعمارة الأرض بالصالحات ؟!
كيف نريدُ أن نصل لعنفوان السماء ونعيدُ المجد الغابر وأفراد الوطنِ تناحروا وتباغضوا وكلٌّ منهم يلعنُ الآخر ؟
لم نعد نجدُ أريجَ الماضي وروعته , ماعاد الناسُ هم الناس , يمرُّ أحدهم بجانب جاره سارحًا , ضائعًا في عالم الهم والغمِّ دون إلقاء السلام , نسيَ الجار جاره فما عدنا نرى تبادل الودِّ والهدية ونقاء السريرة
يهرولُ الأب نحو عمله في الصباح ويرقد رقدة أهل الكهف في بيته ظهرا ثم ينطلقُ كالصاروخ نحو أصحابه للسهر ليلا ,والأمُّ خرَّاجةٌ ولاَّجة تزاحمُ الرجال ليل نهار والأبناء أصبحوا كأشلاء إنسانٍ شُتِّت في أماكنٍ متفرقة فما عادوا يعرفونَ للبرِّ معنى !
والمعلمُ يذهبُ إلى وظيفته ويسردُ درسًا كاملا لتلامذته دون وعيٍ لما يقول ! دون إخلاصٍ وعطاءٍ حقيقي وبذل لإنارة العقول وتأسيس بذرة الخير والفكرِ البنَّاء فيهم , فلا يُصدِّقُ أن يأتي آخر شهرِ فيقفزُ قفزة مراهقٍ من الفرحِ لاستلام المرتّب .
يسير أحدهم في الشارع فيرمي أكياس البطاطا المقرمشة على الرصيف أو يقذفُ ببلغمه في الطريق , ولايُتعب نفسه بإلقاء علب العصير أو قوارير المياه في الحاوياتِ المخصَّصة
سألتُ أحدهم ماسببُ هذا التصرفُ السيء ؟ فقال بابتسامةٍ غيرِ مكترثة: الله يخلي البلدية !!
سلامٌ عليكم ياأبناءَ أمةَ محمدٍ , إنَّا لانرتضي المتواكلين الخاملين !
إني أرى المفاهيمَ الإسلاميةَ وآدابَ الدينِ الحنيفِ الراقي الذي يعين المجتمعات على النهضة وبناء حضارةٍ لاتتكرر في التاريخ مُحيتْ أغلبَ معالمِه عن أوطاننا العربية فأصبحنا عالةً على أنفسنا وأصحاب ُعاهاتٍ نستنجدُ بالغرب الكافر ونستوردُ منهم أخلاقهم السيئة لنقلدهم فيها ونترك محاكاة خصالهم الحسنة !!
حقًّا لاأنسى ماقاله أحد الشعراء الذي يبعثُ على الفخر ويُشعلُ شمعة الأمل علَّ وعسى أن نكون كذلك في الغدِ المقبل بفجره الوضَّاء المستكين ..
ولا يرفع الأوطان إلا رجالها = وهل يترقى الناس إلا بسلَّمِ
فإذا أردنا أن نعيدَ صرح الوطنِ وقلبه العتيد وحصنه المنيع وثروته المعنوية ( الأخلاقية ) والمادية علينا أن نعيد النظر كرتينِ في هذه الآية ِ الكريمة ( إنَّ الله لايُغير مابقومٍ حتى يغيروا مابأنفسهم ) .
بقلم / براءة الجودي
ولانستغني عن نقدكم البناء