ارتعشت .. اهتز جسدها كله .. أنتفض كطائر جريح .. صوت اصطفاك الباب
وراءه مازال يدوي في أذنيها ـ والكلمات عاصفة هوجاء مازالت أصدائها مبعثرة
في المكان. ارتمت على أقرب مقعد بجوارها , وأسندت رأسها على المسند..
تحير الدمع في مقلتيها وتساقط منسكبا من بين أهدابها.. سمعت خفقات النبض
في رأسها ممتزجة بآخر كلماته قبل أن يذهب : يجب أن تقدمي استقالتك من
العمل غدا .. غدا أتفهمين؟
قبض الحزن على قلبها .. ملأت الخواطر رأسها .. بدأت الذكريات تتجمع
وتتفرق ـ تظهر وتغيم .. التقائهما على مقاعد الدراسة .. علاقة من الود
والانسجام تربطهما .. تطور العلاقة إلى حب صامت .. فرحة بأول عمل
لهما ـ ثوب العرس , وأيام قليلة حلوة كونا فيها عائلة صغيرة خالتها كزورق
صغير سيسير يتبختر في بحر الحياة ـ فإذا برياح معاكسة تلعب بالزورق
وإذا بزميل الأمس يغدو رجلاً آخر , وإذا الغيرة صخرة نابية يوشك زورقها
أن يتحطم عليها أشلاء.
والكلمات الغاضبة ترن في أذنيها : مكانك لن يكون إلا في البيت فقط
أنا سأقدم لك كل ما تطلبين , وأسعدك.
أبكلمات غاضبة يريد أن يمحي أحلام العمر كله, وسنوات أراقت فيها ماء
عينيها لتبني مستقبلا ومجدا .. أبكلمة تضيع كل الأماني؟؟؟؟!!!
***********
بعد ساعات دار المفتاح في الباب, ودخل الزوج إلى المنزل, فوجده يغرق في
صمت كصمت القبور ـ بدا له كمسرح قد أطفأت أنواره وأسدلت ستائره وغادره
رواده .. جالت عيناه تمسح أرجاء المكان في صمت, فعلقت العينان بمظروف
صغير قد وضع في صدر المكان بعناية.. فض الغلاف بأصابع مرتجفة وقرأ
زوجي الحبيب
وما أحلاه من نداء إلى قلبي..
تساءلت كثيرا.. ترى ما الذي قد أحببته فيّ؟؟
إذا كان ما أحببت هو الجمال ـ فلست بدمية خشبية, وكل جمال إلى زوال
وإذا كنت قد أحببت شخصيتي , فعملي هو جزء من شخصيتي وكياني
( سأقدم لك كل ما تطلبينه .. وأسعدك) ـ هذا ما تقول تري ما هي السعادة في
نظرك ؟ ـ هل هي أن تلفني كشرنقة دودة القز في ثوب من الحرير ـ
أو هي أن تضعني كعصفور صغير في قفص من ذهب !!
ليس في الحرير أو الذهب سعادتي,ولكن سعادتي تكون عندما تتشابك أيدينا
لنضع معا وفي مشاركة حقيقية كل حجر في بيتنا .. بيتنا الذي سنضع لبناته من
الحب, ونقيم أعمدته على أساس من الثقة والاحترام .
أما إذا كنت تظن إني سأكون مجرد ظل باهت لك فهذا ما لا أستطيعه, فأنا
إنسانه قادرة على الخلق والإبداع .
لن أقول وداعاً , ولن أقول إلى اللقاء .. لقد تركت لك الخيار.