الحب على قوافل الهجرة
الجزء الثاني
1
ممرات، وربما مضايق تحاصرنا في كوة صغيرة قد تنفذ وقد لا تنفذ، فهل لبصيص نور يأتي عبر مجرّة القلق أن يكشف الظلمة؟.. في منزلق الطرقات ننحدر، نجرُّ ذيول هزائمنا وشمسنا التي كُسفت تحرسنا قصائد آخر الشعراء المجانين،ويراقبنا آجرّ أطلالنا الذي تناثر بالجوار.مرضٌ مزمن عضال يطال تحملنا ، ينهمر من شؤبوب غربتنا، هو الحنين الذي تمطّى على أوتار حسرتنا واستدار يجلد الأفئدة المتكلسة بالحب. منْ يتقمّصُ خيالنا ويأتي كهيئةِ امرأةٍ ترتدي الشذا وتستحمُّ بالزمهرير لتسكب أضواءها المنتقاة على خرابنا المتقد؟.. ثمة أسئلة وأسئلة تجتر قلقنا وتنفث سمومها في البدن ، ولا ندري أهي الريح التي قوضت الشجر وتركت ضواحينا عارية، أم هي الزوابع التائهة التي اهتدت لكهوفنا وصارت تحاصر همسنا المستباح أصلاً؟
لا أثرٌ تبقّى في طريقِ الرجعِ،
لا شجرٌ على ممشى مسالكها،
يدلُّ إلى اتجاه الربع
تعمّدتْ أيدي الرياح خرابها،
وزوابع الأمطار تغتسل الدروب
وخطاكَ في الأفقِ الفسيحِ مذلّةٌ،
تتآكل الأشجار من عصف الهبوب
لا مأوى،
ولا فتحت كهوف الغاب أذرعها،
فنمْ ما بين منتجع القصيدةِ وابتداء التيه..
2
تحسست ندى شفتيكِ هذا الصباح وأنا ألمس البطاقة الملّونة التي أرسلتِ، بضع كلمات مختصرة: لهيبي كبقايا قشٍ لا مستهُ شرارة برق ،فمتى تصبّ فراتكَ قبل أن تأكل النار الهشيم؟
يا الله، كيف أفتح قنوات فراتي وأنا أفتقر لديمة عابرة؟.. أتدرين.. في منزلقي هذا، تهتُ ما بين التقدم والتقهقر فكلاهما يجرّني لخندق ضيّق !! ..فالطريق التي أمامي لا تبدو سالكة أو على الأقل ، لا أملك خرائطها ، والعودة هزيمة جديدة لي وتبدد لأحلامنا المشتركة.. ولكنني مع هذا الصباح وبطاقتك الملّونة، أحسن حالاً فنداوة شفتيك التي تحسستها كانت تتدثر بالسحب الخفيفة التي حامت على سرب النخيل في البطاقة الملّونة..
زفراتها رجعُ الصدى،
وعويلكَ الخابي اصطفاق الريح
ما حطّتْ بقربكَ بجعةٌ،
أو فرَّ من شفتيك شحرورٌ فصيح
عبثاً تهادن فرحةً
ورداءك الحالي سكاكين الكروب
طلٌّ يهفُّ عليكَ من وجهِ الصباحِ،
وأنتَ مرهونٌ إلى سحبٍ سكوب
والماء يجري تحتَ نخلاتٍ عجافٍ
ما حملنَ بتمرةٍ أ فترتجي زمنَ القطوف؟
3
اسمك اليوم أرسمهُ على ورق الجرائد المتناثرة في المقهى العجوز، هذا الذي يبتلع دخان السجائر ولا ينفثها أبداً.. مثلي وأنا أزدرد إعلانات العمل التي تزدريني وتمسح بوجهي سخريتها.. أغلب الإعلانات تبحث عن" شابة حسناء ....." ولأغراض مختلفة . لماذا لا يطلبون مثلا "سيدة أو شابة" بلا "حسناء" ؟ .. أها، هنا شيء مختلف، مطلوب: نادل في بار له القابلية بتوصيل الطلبات للمنازل.. عجيب؟ أهي طلبات البار أم طلبات أخرى؟.. أتدرين أن أفضل ما وفرته هذه الجرائد لي هو استخدامها كمنشفة ليدي أو فرشها تحت " الفلافل" التي ابتعتها من البائع الجوال على ناصية الشارع لزوم الغداء..إضافة للاستخدام السابق الذي تعرفين، وهو رسم اسمك المبجل عليها ليذكرني إنك ما زلت تتنقلين معي حتى في المقاهي الهرمة..
الكوكبُ الأرضي دارَ كمغزلٍ،
في جيبك الخاوي فمن أين النقود؟
تأتي، وأنتَ الساهم المحموم،
تكنسكَ المقاهي للمقاهي،
والحدود إلى الحدود..
فعلام يستهويك دربٌ لا يعود
ومسالكُ الحمّى التي سطّرتها،
ترتجُ في جوف البراكين الخمود؟
سفرات " ماجلاّن" ، رحلُ السندبادِ،
دروبها، الـغاب الذي قطّعتَ،
ما انضمّتْ إليك بواخر الأحبابِ،
أو حملتكَ أمواجٌ إلى حضنٍ ودود..
تبيضُّ عينكَ في الكهوفِ،
وتوشك الأشباح تمتين القيود
4
من أين تأتي ابتسامتكِ اللذيذة لتطلّ عليَّ عبر هذه الأبعاد ؟..لا أدري ، ولكنني كلما تطلعت للشفق البرتقالي وجدتك هناك تفترشين الأفق وتكاد تنطق السحب الخفيفة باسمكِ رذاذا ناعماً يلامس جبهتي المحمومة .. عندما كنّا معاً، نتهادى أحيانا على شاطئ النهر ويدك تنام في حضن يدي مثل طيور بجع وقت استجمامها، لم نكن نحس لحظة واحدة أننا سنفترق مع أنّكِ كنت تسمين تلك النزهات سحاب صيف سرعان ما يمر أو يتبدد..واليوم وبعد أن ارتدى النهر ثوب الحداد، ولم تعد أي بجعة لضفافهِ كي تستجم ،وبعد أن غلّقت القرى أبوابها ، عدتُ بخيالي لتلك الأماكن أستشفُّ عبقها ودفئها بعد أن هدني زمهرير الغرب ولكنني لم أجدك هناك، لا على الضفاف ولا على أبواب تلك القرى.. وحده الحارس الخشبي كان ينتصب أمامي ليمنعني من الدخول ولو بالخيال..
إنْ كنتَ تسأل أو تعيد:
من أين جاءت بابتسامتها،
علامات التوسل ، حاجبيها معبر الأسرار،
للجسد البعيد..
فتعالَ نفترش المدى،
ورداءها الشفق الأكيد..
يا أنتِ يا دفئ المجامر في المكان
كيف انتشرنا في مدار الأرضِ،
كالثلجِ المعفّرِ بالدخان ؟
في ليلة السبي الأخير ؟
اليوم أقفلت القرى أبوابها،
والحارسُ الخشبيُ منهمكٌ بمنصبهِ الخطير
أضلاعهُ العوج امتشاقةُ خنجرٍ،
ويداهُ دولابٌ كسير
يرتجُّ حين تمايلٍ وتطقطقُ الخطواتُ،
إذْ بدأ المسير
من كوّتي في الكهفِ أرقبُ كرشَهُ،
يهتزُّ كالبطِّ السمين
يمشي، وتنبحني كلابُ مسيرهِ،
إنْ رمتُ عوداً بالخيالِ إلى مكحّلةِ العيون
https://www.rabitat-alwaha.net/molta...ad.php?t=33192