بعدما انفض الأهل والجيران من تهنئته بالحرية بعد سجن طويل لخطأ أقحم فيه ، أحس بجدران غرفته وكأنها سجن جديد .. فما عاد يطيق المكوث بين أربع جدران والأماكن المغلقة مهما كامن سحرها .. خرج من سجن غرفته وأسوارها إلى الشوارع والناس والحركة والبراح الفسيح ، للانطلاق والحرية .. لا تعوقه جدران بعدما نال نعيم الحرية بعد سجنه الطويل .
عند خروجه من البيت لمح عصفورين للزينة فى قفصيهما .. محبسيهما .. قرر اطلاقهما لعالم الحرية البديع .. فالطيور ابنة الطبيعة والفضاء ..ابنة الحرية والانطلاق .. يجب على البشر إن يتخلوا عن انانيتهم فى الانفراد بها ، ويستمتعوا مع الكل بكل الطيور مرفرفة بأجنحتها فى الهواء الطلق الفسيح .
فتح القفص ، وقف مترقبا انطلاقهم نحو فطرتهم .. لم يعبأ بباب القفص المفتوح وظلا كما هما يلتقطا طعّم الأسر السهل .. ثارا عليهما ، واخرجهما من القفص عنوة .. طارا متخبطين فى محيط الحجرة الواسع ، وحطا على الشرفة متطلعين بعيون حائرة للفضاء الرحب الفسيح .. نسائم السعادة بدأت تدب بقلبه وهو يتطلع للحظة انطلاقتهما للفضاء ، إلا أنهما استدارا عائدين للقفص المفتوح .. منقضين على الحبوب بشراهة .. بحنق أغلق عليهما باب القفص بعنف ، وخرج للحياة يبحث عن عمل يعينه عليها بعدما ضاع الأمل فى المؤهل .. شعر وكأنه ميكروب بين الناس ، يفروا منه .. يعاقبوه مرة ثانية .. عاود الكرّة مع أناس استسمج قلوبهم وعقولهم ودينهم بلا جدوى .. مجهدا تذكر العصفورين واحساسهما بالأمان فى ظل عبودية الأسر الطويلة أصبح أقوى من المغامرة من اجل روعة الحرية .
انسلخ من الشوارع الواسعة والناس والحياة ، وأغلق عليه باب غرفته .