في مثل هذا الرمضان قبل حوالي أكثر من خمسة وعشرين عام ، كان الجوُّ حارّاً ووقت الصيامِ طويلا. كان هو يصوم كما إخوته وكما معظم أولاد حارتهِ.
كانو يذهبون ويشترون الخبز والدجاج واللحوم والخضار والفواكه أفراداً وجماعات.كانو يشترون " القطايف" بخمسةِ عشر قرشاً للكيلو الواحد .
كان هو يساعد أمه في حشو القطايف وكان أخوه ينافسه في ذلك فهذا الأكبر كان يتقن عمل الأشياء أكثر.
كان الجميع وقت ما بعد الظهيرة يفترشون بعض الفرش والشراشف الخفيفة ويشغلون المروحة لتدور في جميع الاتجاهات فينامون لساعةٍ او ساعتين ويبقى هو غير قادر على النوم في النهار.
قبل موعد آذان المغرب بساعتين يذهب أولاد الحارة للعب كرة القدم في السهول ويعودون قبل آذان المغرب يغسلون ايديهم وارجلهم ومنهم من كان يتوضأ ويسبغ الوضوء.
كان قسم من اولاد الحارة يقومون بدوريات الاستماع لآذان المغرب ، فيتركون الحارة بإتجاه وسط البلد ليتسنى لهم سماع الآذان وبدورهم يتجهون الى حارتهم صائحين بأعلى صوتهم : أذّن ... أذّن ...أذّن ...إفطرووووو
كان صوت " يوسف المصطفى" هو صوت المؤذن الوحيد الذي تسمعه وله نغمة فريدة لا يختلف في تحديدها إثنان.
كان مسجدان إثنان فقط في البلدة وصوت السماعات على ضعفه كان يُدوّي في القلوب.
مرّت السنون وكبر الاولاد وصار كل واحد في بلاد. كبرو وصارو رجالاً ونساءا وصار لكل منهم بيت وعائلة ولم يعودو يتنافسون على حشو القطايف كما كانو ولا على النوم لساعة في النهار ولا على الركض لسماعِ آذان المغرب .
مرّت السنون وصار بدل المسجدين في البلدة صار هناك أكثر من عشرة مساجد ولم تعد كيلو القطايف بخمسة عشر قرشا.
مرّت السنون والقلب تعود به الذكرى الى تلك الايام الجميلة ببراءتها وحلاوتها برغم صعوبتها . الكل قلبه على الكل وطعام الفطور عبارة عن عدة وجبات مما يبعث به الجيران والاقارب لبعضهم البعض .
فإن كنتم على بُعْدٍ** فأنتم في شراييني
وذكرى الماضِ تتعبني**وأحياناً تُسلّيني
فأنظمُ للهوى شِعْراً** ونثراً من دواويني
فإنْ كانَ الّذي كانَ** وصارَ البعدُ يُضنيني
وصارَ القلبُ َينْخَزُنِي** وجرَّ الدّمعَ من عيني
طلبتُ اللهَ في الحالِ** شكوتُ كُلَّ ما فيني
عدنان الشبول
( الأحداث حقيقية في قريتي شمال الأردن )