تذكرت في هذا الوقت الهادئ حادثة طريفة , اضطررت للصعود إلى سرفيس في دمشق , وكانت معي ابنتي ذات العشر سنوات والتي أصرت على ارتداء العباءة والطرحة التي اعتادت على لبسها في السعودية , وما أن دخلت السرفيس حتى شهقت إحداهن مستنكرة وكأنها رأت مصيبة كبيرة , وانبرت تدافع عن الحضارة والمدنية وحقوق الإنسان .. ( حرااام عليكم .. شو هاد تلبسوا البنت من هلأ , بتخلوها محرومة المشاوير والطلعات والمطاعم وما بعرف شو .. ) ذهلت من صوتها وطريقتها , وأنا أحاول حصر ذهني في جواب يفيد هذه المسكينة التي كانت تلبس بلوزة زرقاء ضيقة وتنورة إلى تحت ركبتيها بقليل , وتضع روجاً زهرياً غامقاً ( فوشي ) على شفتيها وظلاً أزرق فوق جفنيها ( دخييل الأزرق ) وعذراً على الوصف غير الدقيق حتى لا أجرح مشاعرها .. وأكملت هذا بصوتها .. أعود إلى اندهاشي , فقد كنت ما أزال مندهشة عندما رأيت فتى يافعاً يلتفت إليها بهدوء ويقول لها : ( معك حق , محرومة من شوية شرشحة وبهدلة )
فانفجر جميع من في السيارة ضاحكين , إذ لبسها الجواب تماماً بشكل مناسب , يا سبحان الله , إلى متى يظن هؤلاء أنفسهم أنهم على رقي وأنهم يأخذون من الحياة جمالها وسحرها , مع أنهم لا يستحقون إلا الشفقة والرثاء ؟؟
فعلاً , قلة الدين شرشحة وبهدلة , بدءاً من ممثليهم إلى فسقتهم إلى من يعتبرونهم أدباءهم ..
عندما كنت أسمع الأغاني في شوارع دمشق , كنت أشم رائحة الاتحاد السوفياتي البغيض , وكم كنت أتقزز عندما أرى على الشاشات ما يشجعون عليه مما يسمونه أدب وثقافة .. أما السجائر التي بين أيديهم , أما كلماتهم , وطلاء الأظافر المتآكل على أظافر نسائهم , وضحكاتهم المبحوحة , فإذا أردوا الأنس بحثوا عن الفج , وإذا أردوا السمر رأوه في الفسق , لا بركة لهم في مال أو وقت , ولا حياء في لفظ أوتعامل .. والأدهى من هذا أنهم إذا رأوا الملتزمين حسبوا أنفسهم أعلى درجة , كالدخان عندما يتعالى بوضاعته ..
وأنزل حي البرامكة فيتلقى سمعي بنفور كلمات درويش الحمقاء البائسة عن الكلمات العابرة والمارون منها , أتحسب كلماتك أيها الأحمق تصلح للمرور .. أتخيلها منحوتة على صفحة باهتة بصورة تدعو لرثاء سامعها لا قائلها !!! فإذا وصلت إلى الصفصافة لعلع صوت كاظم الساهر المتيم بعيداً عن الرجولة بكلمات نزار قباني المتذللة بفعل سيطرة امرأة عليه ..
حقاً , إنه وباء , أراحنا الله منه قريباً !