كما أن التاريخ توقف عند 11 سبتمبر 2001م ، وقيلَ ان العالمَ قبلَ تفجيرات نيويورك ليس هو العالم بعدها لضخامة الحدث وهَوْله وعِظم آثاره ، كذلك ما جرَى فى رابعة العدوية يوم الأربعاء المَشهود 14 أغسطس ، كربلاء العصر الحديث ، يوم الواقعة المَهيبة ، يوم الآلام والمجْد ، يوم الفاجعة والبطولة ، يوم المأساة والعظمة .
ويبدو لى أن السائرين يحملون نفسَ اللاءات والمطالب دون تنازل بعد هذا التاريخ لا يعرفون لهذا اليوم قدره وثقله الكَونى .
مصر بعد هذا اليوم ليستْ هى مصر قبله ، بكل ما تحمله كلمة مصر من معانى وتاريخ وحضارة وثقافة وقيم وتراث وتنوع وانسان ووطن .
الجيش مسئول ، نعم هذا صحيح بلا شك ، لكنه يضغط بعنف وقسوة مُتصاعدة للحصول على مكاسب سياسية يأبى الطرف الآخر اعطاءَه اياها لنصلَ أخيراً الى هذا المشهد الذى تمنت مصر دامعة ألا تنتمى اليه ولا ينتمى اليها .
وقدْ قيلَ أن لدى الدكتور محمد مرسى تلفاز وبالضرورة قد شاهدَ ما جرى أو جاءته أنباؤه للضغط عليه ، فكيف تفاعلَ قلبُه الرحيم معه ، وهل راجعَ مواقفه بعدَ الفتك بالبشر ومباشرة المصرى – ليس قتل أخيه – انما شواءه والتمثيل به ؟ فهل تغير مرسى بعد 14 أغسطس ؟ وان كان القتل قبل ذلك اليوم الأسطورى بالعشرات ، فماذا بعدَ قتل المئات وربما الآلاف – لا ندرى - ، انتظرتُ مرسى وتخيلت مصرَ كلها فى انتظاره بعد 14 أغسطس : أن توقفوا ويكفى هذا الكم الهائل من الدماء والمآسى والأحزان ، توقفوا فلم أعد رئيساً ولتطوِ مصرُ صفحتى عَسَاها يتوقف نزفها أو يقل .
واذا كانت " الفرص تزول " – كما تنص القاعدة الأصولية - ، فقد ضيعَ التحالف الوطنى لدعم الشرعية فرصاً كبيرة فى موقف سياسى مُميز قبلَ 14 أغسطس بخطاب لا يتنازل عن شئ ، وبعد زوال الفرص الجيدة ظلت اللاءات الأربعة كما هى بعد 14 أغسطس ، فى الطريق لصناعة مآس جديدة وتضييع فرص أخرى كان من الممكن أن يحفظ بها مؤيدو الشرعية الحدَ الأدنى من المكاسب .
لم يتوقف اطلاقُ النار واختلطَ الحابل بالنابل ولاحتْ نُذر الحرب الأهلية والفتنة الطائفية المُوسعة مع الانفلات وفقد السيطرة ، وكلما غابَ الخطابُ السياسى وخفُتَ الأملُ فى التوصل لحلول زادَ الاحباطُ واليأس ، وربما أقدمَ البعض على الانتقام وذبح شعار السلمية على عتبة الجنون وغياب صوت العقل الذى يُعيدُ للوطن رشده وتماسكه .
واذا كان الاخوان المسلمون بعيدين نوعاً ما عن تجاربهم الأولى فنسوا تبعات الاصرار على الوصول الى السلطة على أنقاض الكوارث ، فماذا عن الجماعة الاسلامية وهى قريبة عهد بتجربة مريرة أضرتْ بمصر وبالدعوة ، وقد حملتْ لواءَ المراجعات والنقد الذاتى ؟
أين تقديم المبادرات والاستفادة من التجارب والتوقف عند الأحداث الجسام ، ليتغير الخطاب والمواقف بحسب مقتضيات كل مرحلة على نهج السياسة التى تعلمناها من خير البرية صلى الله عليه وسلم ؟
لم نعطِ هذا اليومَ حقه ولم نقدره قدره ولم نقف أمام مشاهده مَلياً فى جَلال ومَهابة وخشوع ، فيالجرأتهم من يشتهون حمل المزيد من الأوزار والتسبب فى سفك المزيد من دماء المصريين ، بعدَ أن دوتْ صرخة رابعة العدوية فى الآفاق يوم 14 أغسطس ، على لسان كل الشهداء والجرحى والمفقودين : أن أوقفوا هذا الجنون .. أوقفوا هذا الجنون .