• أبو نصر، إسماعيل بن حمّاد الجوهري (-398هـ):
يُعتبر الجوهري في كتابه -عروض الورقة- أوّل من حاول التعديلَ في نظامِ الخليل؛ بجَعْلِهِ التفاعيلَ سبعةً لا ثمانية، رافضًا (مفعولاتُ)، ومعتبرًا إياها تفعيلةً مُزاحفةً -زحافاً ثابتاً- عن (مستفعلن) بتقديم النون الساكنة على اللام، لتصبح (مستفْعِ نْلُ)! معلِّلاً عمَلَه هذا بقوله: إنّه لو كانت (مفعولاتُ) جزْءًا صحيحًا لترَكَّبَ من مفردِها بحرٌ كما تركّبَ من سائر الأجزاء الأخرى( ).
وقد جعلَ الجوهري البحورَ اثنَيْ عشرَ بحرًا، بدَمْجِ بعضِها في بعض،
وهي: سبعةٌ مفردات (بعدد التفاعيل عنده)، وخمسةٌ مركّبات منها، كما يلي:
1- المتقارب = ( فعولن*4 )
........................................... 1- والطويلُ بينهما ( فعولن مفاعيلن *2 )
2- الهزج = ( مفاعيلن *3 )
........................................... 2- والمضارع بينهما ( مفاعيلن فاعلاتن )
3- الرمل = ( فاعلاتن *3 )
............................................3- والخفيف بينهما ( فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن )
4- الرجز = ( مستفعلن *3 )
........................................... 4- والبسيط بينهما ( مستفعلن فاعلن *2 )
5- المتدارك = ( فاعلن *4 )
........................................... 5- والمديد: بين الرمل والمتدارك ( فاعلاتن فاعلن *2 )
ثمّ :
6- الوافر = ( مفاعلَتن x 3 )
............................................. وليس بينهما بحر
7- الكامل = ( متَفاعلن x 3 )
أما البحر (السريع)؛ فجعله الجوهري من (البسيط)، لأنّ "كلَّ بيتٍ رُكِّبَ من (مستفعلن فاعلن) فهو من (البسيط) طالَ أو قصُر"، كما يقول( ).
كما جعل (المجتثَّ) من (الخفيف)، لأنه "مُركّبٌ منه، ويُشاركه في تفاعيله"، فهو كالمجزوء أو المشطور أو المنهوك، إذ لا يقوم عنده بحرٌ يُشارك غيره في تفاعيله، وأنه لو جاز قيام البحر "لنقصان أجزائه، أو لتقدُّمِ بعضها على بعض، أو للزحاف، لزِمَ ذلك في كلِّ مُربّعٍ ومثلّث ومثنّى ومُزاحَف"( )!
كما جعل (المنسرحَ والمقتضب) من (الرجز)، وذلك لأن (مفعولاتُ) عنده منقولةٌ عن (مستفعلن) كما رأينا، "وكلُّ بيتٍ رُكِّبَ من (مستفعلن) فهو من الرجز طال أو قصُر"( ).
والجوهري بذلك يهمل فكرة الدوائر الخليلية، كما يهمل نتائجها، على الرغم من إيراده أصولَ (المديد والوافر والهزج) كما وردت في دوائر الخليل، فهو يوردها كأنساق مُحْدثةٍ كُتبت عليها بعض الشواهد المفردة. ولذلك فهو يشير إلى (المضارع) على أنه "مربّعٌ قديم لا غير"( ) كما أنه يعتبر (المجتثّ) مربّعاً (للخفيف)( )، و(المقتضب) مربّعاً (للرجز)( ) كما مر. أضف إلى ذلك أن الجوهري يقبلُ (الجَزْءَ والإنهاكَ والشَطْرَ) في جميع البحورِ قياسًا، بل إنه يقبل (المُوحَّدَ) من البحور.
والعلّة لدى الجوهري نوعٌ من الزحاف، لكنه زحاف لازم. ولذلك فهو ينتقد الخليلَ لذكْرِهِ جميعَ أعاريض الشعر وضروبَه، (وهي عند الخليل أربعة وثلاثون عروضًا وثلاثة وستون ضربًا)، لأنّ ذلك كما يقول الجوهري "مشغلةٌ عظيمة، قليلة الفائدة" وأن "الصوابَ أن تُعرَفَ الأبياتُ التي لا زحافَ فيها [أي الصور الرئيسية لكل بحر] ثم ما يجوز فيها من الزحاف وألقابه"( ).
فالصور الرئيسية للبحور لدى الجوهري هي اثنتا عشرة صورة فقط، بعدد البحور عنده كما رأينا.