طبيعة الصراع الحالى تستحق منا الوقت والجهد لتضح معالمها وملامحها ، لأن تزييفها وتصويرها للجماهير فى الاعتصامات وفوق المنصات على غير حقيقتها أضرَ كثيراً بالثورة وهددَ كيان الأمة المصرية ، فهل نحن أمام صراع دينى أيديولوجى ، أم مجرد صراع سياسى على كراسى الحكم ؟
كانت الاجابة معروفة لدى دونَ أن أطرح أسئلتى على كثيرين من أبناء التيار الاسلامى حول الوفاء للديمقراطية واعتناقها كمذهب فى الحكم واحترام تداول السلطة .. الخ ، لكن لندع الاجابات والانطباعات جانباً ولنعترف أن الأطراف الاسلامية أثناء احتدام الصراع هى الأكثر قابلية لآليات الديمقراطية وقواعدها بعكس التيارات الأخرى ، وهذا فى حد ذاته ليس حكماً عاماً مُسلماً به ؛ لنقولَ أن الاسلاميين أوفياء تماماً للديمقراطية وأن العلمانيين جاحدين تماماً لها ؛ لأن هذا يعود لطبيعة المجتمع المصرى المنحاز بفطرته للرؤى الاسلامية ، حيث من المستبعد أن يُعطى ثقته للعلمانيين البعيدين خطاباً وتطبيقاً عن قناعاته .
التيار الاسلامى فى مصر وغيرها من البلاد العربية الاسلامية ينحاز للديمقراطية ويُطالبُ بها ويكثرُ الحديث عنها ؛ لكونه ابتداءاً واثقاً من فوزه على أية حال وبقائه فى سدة الحكم أطولَ فترة ممكنة طالما ضمن انتخابات ديمقراطية شفافة .
وكثير من المفارقات تطفو على السطح اذا تمت الصدماتُ الموجهة بأسئلة من عينة : كيف اذا وصلَ حزب شيوعى أو يسارى الى الحكم ؟ وهناك نكتشف بسهولة أن الصراع بعيد عن هذه المنطقة وأن الدفاع ليس خالصاً عن الديمقراطية والشورى كقيمة وكايمان فعلى بالتداول ، وأن القضية لا تعدو مجرد أداة ووسيلة أكثر من كونها قيمة .
وبالنسبة للعلمانيين فالعكس صحيح حيث يمثلون الأقلية ، ونستطيعُ التأكيدَ هنا أن اشمئزاز العلمانيين وكراهيتهم للديمقراطية ليس كُفراً بها تماماً ؛ لكونها تحتفى فقط بصاحب الجماهيرية وترفع الأغلبية الى السلطة فى مجتمع أغلبيته مُنحازة للاسلاميين ، وهذا معناه ببساطة أن فرصة وصول العلمانيين للسلطة عبر القواعد والآليات الديمقراطية شبه معدومة .
امكانية لحاق العلمانيين بالطرف الأساسى المنافس فى هذا الصراع كبيرة ، وقد حدث بالفعل أن انحازوا للديكتاتوريات والأنظمة الأكثر فتكاً وقسوة وتحالفوا مع كل نظام ودولة تقطع معهم الطريق دون وصول أو استمرار الاسلاميين فى السلطة .
وهذا يرجع لما أسلفناه من وصف لطبيعة المجتمع التى لن تتيحَ على المدى المنظور لتيار علمانى الوصول الى الحكم عبر اقتراع انتخابى حُر ، ولأن أحد طرفى الصراع يعتبر الفصيل العلمانى خصماً استراتيجياً ولا يسعى لطمأنته واحتوائه بالقدر المطلوب ، فى حين توظف الأحزاب الاسلامية خصومتها تلك فى مضاعفة شعبيتها على حساب علاقتها بالأقلية العلمانية التى تحتاج تضحيات كبيرة ومواقف نضالية وبطولية لاستيعابها وتعويضها البعد الجماهيرى ؛ بمعنى أن التيار الاسلامى يستغل العامل الأيديولوجى لتأكيد تفوقه الجماهيرى دون خطوات جدية فى اثبات حسن النية تجاه تداول السلطة أو منح العلمانيين بعض الاشارات والهِبَات التطمينية .
يجد العلمانيون ضالتهم دائماً فى الجهاز الادارى للدولة – مدنى وعسكرى - ، وهو نظام الدولة القائم الراسخ الذى يوظف هذا التيارَ المتغرب فى صراعه المصيرى للحفاظ على السلطة .
العلمانيون ليسوا الطرف الأساسى المقابل فى هذا الصراع ، انما هم مجرد أداة كغيرهم ، بما ينفى البُعد الدينى والعقدى الوهمى ؛ فالدولة بكامل أجهزتها وجماهيرها عادت لاستعادة السلطة كاملة بعد أن احتلَ الاسلاميون جزءاً منها لبعض الوقت .
هنا يتصارع التيار الاسلامى مع الدولة ذاتها بأجهزتها المدنية والعسكرية ، حاشداً خلفه جماهير غفيرة مستغلاً العاطفة الدينية الجياشة على خلفية توظيف الجيش لخصوم الاسلاميين من العلمانيين والنخبة المتغربة من مثقفين وسياسيين وفنانين .
نعلمُ أن ليس للمصريين شغف كبير بالديمقراطية قياساً بولعهم بالدين والمقدس ، ويدركُ الاخوان أكثرَ من غيرهم أن الاستجابة للخروج فى الجنازة لن يكون مُرضياً عندما يُقال اُغتيلت الديمقراطية ، لذا كان الصوت عالياً جداً لانقاذ " الاسلام " ، لاستدعاء الجموع والحشود الهائلة التى خرجت وضحتْ ، وهى لا تدرى أن ما يحدث ليس من أجل الديمقراطية .. ولا الاسلام – كما زعموا - .