في سياق ذكر ابن القيم لمنزلة الفتوة ودرجاتها قال:
الدرجة الثانية : أن تقرب من يقصيك وتكرم من يؤذيك وتعتذر إلى من يجني عليك سماحة لا كظما ومودة لا مصابرة
هذه الدرجة أعلى مما قبلها وأصعب فإن الأولى : تتضمن ترك المقابلة والتغافل وهذه تتضمن الإحسان إلى من أساء إليك ومعاملته بضد ما عاملك به فيكون الإحسان والإساءة بينك وبينه خطتين فخطتك : الإحسان وخطته : الإساءة وفي مثلها قال القائل :
إذا مرضنا أتيناكم نعودكم ... وتذنبون فنأتيكم ونعتذر
ومن أراد فهم هذه الدرجة كما ينبغي فلينظر إلى سيرة النبي مع الناس يجدها هذه بعينها ولم يكن كمال هذه الدرجة لأحد سواه ثم للورثة منها بحسب سهامهم من التركة وما رأيت أحدا قط أجمع لهذه الخصال من شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه وكان بعض أصحابه الأكابر يقول : وددت أني لأصحابي مثله لأعدائه وخصومه
وما رأيته يدعو على أحد منهم قط وكان يدعو لهم وجئت يوما مبشرا له بموت أكبر أعدائه وأشدهم عداوة وأذى له فنهرني وتنكر لي واسترجع ثم قام من فوره إلى بيت أهله فعزاهم وقال : إني لكم مكانه ولا يكون لكم أمر تحتاجون فيه إلى مساعدة إلا وساعدتكم فيه ونحو هذا من الكلام فسروا به ودعوا له وعظموا هذه الحال منه". من مدارج السالكين 2/ 357