ودّعْتُنِي هناك
كعادتي .. كانت الابتسامة تملأ وجهي.. وعيناي تلمعان بنفس البريق.. ونبراتُ صوتي الهادئة تشي بالرضا، بل بالسعادة.. قضيتُ يوماً يشبهُ كل يومٍ من أيامِ تلك السنة التي مكثتُها هناك .. فتحتُ أدراج مكتبي فلم أجد فيها شيئاً يخصني لآخذَه معي.. كل شيئ هناك يخص العمل، وإن كنتُ أنا من تعب في إعداده؛ فقد أخذتُ أجري عليه.
جاء موعد انتهاء الدوام .. واستعد الجميعُ للرحيل.. وأنا جالسةٌ كعادتى أمام حاسوبي..فقد اعتدت أن أنهي عملى على مَهَل ولو كلفني ذلك بعض التأخير بعد موعد الانصراف.. نظرنَ إليّ .. أرَدْنَ أن يودعنني .. أنا لا أحب الوداع .. بادرتُهن: سآتي غداً .. إن شاء الله. .. فهمنني، ولكن لم تقوَ واحدةً منهن على الاقتراب.. أَشَرْنَ لي بالسلام، ونراكً غداً.
أغلقتُ حاسوبي، ووضعته في الحقيبة .. ومسحت بكفي على طاولتي .. أودعُها.. سقطت رغماً عني دمعةٌ عليها .. مسحتها بمنديلي. دارت عيناي بالغرفة.. ودعت النوافذ والخزانات وطاولات زميلاتي .. لبست عباءتي السوداء ونقابي.. ونظرتُ إلى شيئٍ لا أراه بعيني..
نظرت إلى تلك التي ستغادر المكان ولن تعود إليه ثانيةً ... أنفاسُها، ابتساماتُها ودموعُها، أفراحُها وأحزانُها، طموحاتُها وأحلامُها، نجاحاتُها واخفاقاتُها، روحُها .. تملأُ المكان.. أردتُ أن آخذ كل ذلك معي .. لكنها أبَتْ، فودعتُها وخرجت.