• د.إبراهيم أنيس:
بعد إشاراته العديدة إلى مساوئ العروض الخليلي، من كثرة مصطلحاته، وتفريعات تفاعيله، وانتقاده للأصول النظرية لأوزانه، ولبعض المسائل المتعلقة بكل بحر على حدة، دعى د.إبراهيم أنيس إلى "إعادة النظر في بناء الأوزان الشعرية" استنادًا إلى الأوزان الشائعة والمطروقة، تسهيلاً لهذا العلم، وتيسيرًا على المتعلمين كما يقول.
ومنذ البداية، يستبعد د.أنيس بحري "المضارع والمقتضب"، "لأنهما نادران" أو"لا وجود لهما"!
ثم يؤصّل قواعده الجديدة لعشرة بحورٍ فقط، مهمِلاً (الكاملَ والوافرَ والهزج) لأنها تعود آخرَ الأمر إلى تلك القواعد كما يقول!!
ويدّعي د.أنيس -بدايةً- أنه استنبطَ تفاعيلَ جديدة قليلة العدد، تكفي لصياغة قواعده الميسرة... فهو يكتفي -كما يقول- بثلاث تفاعيل فقط -من تفاعيل العروضيين- عليها تبنى الأوزان هي: (فعولن، فاعلن، مستفعلن). ثمّ بإضافة مقطع ساكن(؟) إلى كلٍّ من هذه التفاعيل الثلاث يمكن أن نشتقّ منها ثلاثًا أخرى هي: (فعولاتن، فاعلاتن، مستفعلاتن) وبذلك يتكون لنا ستّ تفاعيل واضحة الصلة بعضها ببعض، سهلة التذكر والحفظ".
وهو بذلك يلغي (مفعولاتُ ومتَفاعلن ومفاعلتن)، بينما يستخدم تفعيلة ذكرها القرطاجني قبله كما رأينا، هي: (مستفعلاتن).
ثمّ يبني د.أنيس بحورَه العشرة من هذه التفاعيل الستّ على النحو التالي:
1. الطويل = فعولن فعولاتن فعولن فعولاتن
2. المتقارب = فعولن فعولن فعولن فعولن
3. البسيط = مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن
4. الرجز = مستفعلن مستفعلن مستفعلن
5. السريع = مستفعلن مستفعلن فاعلن
6. المنسرح = مستفعلاتن مستفعلن فاعلن
7. الخفيف = فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن
8. المجتث = مستفعلن فاعلاتن
9. الرمل = فاعلاتن فاعلاتن فاعلن
10. المديد = فاعلاتن فاعلن فاعلاتن
ثم يُشير إلى أن البحور الثلاثة: (الكامل والوافر والهزج) تنتهي آخر الأمر إلى تلك التفاعيل،
فـ(متفاعلن) تصير "في غالب الأحيان مستفعلن"
و(مفاعلتن) تصير "مفاعلْتن" وهي نفس "فعولاتن"!
أما الهزج فشبيهٌ بمجزوء الوافر!
ويقول: "ذلك هو كل ما نحتاج إلى معرفته في أوزان تلك الأبحر ."!!
ثم يذكر بعض حالات الزحاف (التغييرات) الطارئة على كل تفعيلة، مركِّزًا على التغييرات المستساغة المطروقة، ومبتعدًا عن ذكر المصطلحات.
وليس في محاولة د.أنيس أي نظامٍ جديد كما يدعي، وإنما هي محاولة للتسهيل، جاءت مختزلةً إلى حدّ الابتسار المخلّ.
فهو في حقيقة الأمر يستخدم ستة تفاعيل لا ثلاثة كما يدّعي. فلا فارقَ عندنا بين (فعولاتن) و(مفاعيلن) وإن تبدّل الاسم.
وهو إضافةً إلى رفضه بحريْ (المضارع والمقتضب) لم يجد صيغةً مقنعةً لتجاوز إشكالية كلٍّ من البحر (الكامل والوافر والهزج) بالنسبة للبحور العشرة،
فإذا تبيّن لنا الحاجة إلى تفعيل (الكامل والوافر) كان لا بد من استخدام (متفاعلن ومفاعلتن)، مما يعيد عدد التفاعيل عنده إلى ثمانية، كما وضعها الخليل، باستثناء حلول (مستفعلاتن) عنده محلّ (مفعولاتُ) الخليلية.
بل إنه زاد الطينَ بلّةً عندما دعا إلى دمج البحر (المديد) مع (الرمل)، دون إجابته عن السؤال: كيف؟ مختزلاً بذلك البحور إلى تسعة أبحرٍ، أو إلى عشرة على الأكثر. وهي ذات البحور الخليلية، لم يشذّ منها سوى البحر المنسرح عن تفعيل الخليل، على الرغم من استخدامه (فعولاتن) في الطويل، لأنها في الحقيقة ليست سوى (مفاعيلن) وإن تغيّر الاسم كما قلنا. بل إن تفعيل المنسرح، هو ما جاء به القرطاجنّي قبله، دون إشارةٍ منه إلى ذلك!