رواية المد والجزر
( القصيدة التي تأهلت بها في مسابقة أمير الشعراء بإجماع لجنة التحكيمْ )
أراكَ جريحَ القلبِ ... جلاَّدُكَ الهَجْرُ
وأغمضَ عنْ نجواكَ أجفانَهُ البَدْرُ
أنا الرِّيحُ مِنْ عامينِ ألْقاكَ ذابلاً
على صفحاتِ القبرِ يُنْكِرُكَ العُمْرُ
أرَاكَ اعْتزلْتَ النَّاسَ تَرْقُدُ هائماً
تُسامِرُ صَمْتاً لا يُفارِقُهُ القَبْرُ
إذا عِشْتَ صِفْراً في اليسارِ فلا تَعِشْ
وإنْ كُنْتَ في اليُمْنى ... ثمينٌ بِها الصِّفْرُ
****
أنا مَنْ يُقيمُ الغَيْمُ أسْفَلَ عيْنِهِ
ويشْرَبُ مِنْ دَمْعاتيَ اللَّيْلُ والفَجْرُ
ترى الطَّقْسَ رَطْباً واللَّهيب بداخلي
يُحَمِّصُ أعضائي وفي مُهْجتي جَمْرُ
أنا ما تركتُ الدارَ جُبْناً ولا جفاً
ولكنَّ مثليْ ليْسَ مِنْ طبْعِهِ الثَّأرُ
ليَ الكوخُ مِنْ غَيْرِ المَهانةِ قلعةٌ
وعِنْدَ وُقوعِ الذُّلِّ فلْيَخْسأِ القَصْرُ
وما جيفةُ المَوْتى وليمةُ زاهدٍ
وينْهشُ عِنْدَ الجُوعِ أكْتافَهُ الصَّقْرُ
أقَمْتُ الضَّريحَ المُسْتباحَ بشاطئٍ
ليرْويَ دمعُ البَحْرِ ما جفَّفَ البَرُّ
وكَسَّرْتُ أقلامي لأكْتبَ قِصَّةً
يُجاهدُ في تدوينها المَدُّ والجَزْرُ
****
أخي بَدَّدَ الوِجدانَ بيني وبيْنَهُ
أهانَ احْتراميْ , قدْ جفا أنَّني البِكْرُ
" أخُوكَ وليُّنا " : وأُمِّي تُناديهِ
أتجْحدُ مَنْ رَبَّاكَ ؟ تُبْ مالَكَ العُذرُ
أخي يَشْتَهي جُرْحي وأُمِّي حزينةٌ
أهذا الفتى ابْني ؟ أمْ غَزا قَلْبَهُ الصَّخْرُ
أخي _ ذاكَ _ عبدُ المالِ لا شيءَ فوْقَهُ
إذا المالُ يُعْمي العينَ يا حبَّذا الفَقْرُ
وأمِّي اَّلتي قَدْ أرْضَعتْهُ أباحَها
وما كانَ مِنْهُ في رعايتِها البِرُّ
وقَدْ سادَ بالتَّرْهيبِ ,, عمَّدَ سُلْطَةً
بسطْوَتِها صَوْبَ المساكينِ يَغْترُّ
أخي أصْبَحَ الوالي وغَيَّرَ شَكْلَهُ
ولكنَّهُ ما زالَ بالحِقْدِ يجْتَرُّ
أخي أصْبحَ المأمونَ أتقنَ زَهْوَهُ
وَقْدْ قَلَّدَ الحَجَّاجَ في خَيْرِهِ شَرُّ
لهُ رَّغبةٌ صحراءُ من دونِ خُضرةٍ
تَغُصُّ ومهما اخْضوضرتْ , شَهْدُها مُرُّ
ويَسألني بالجَهْلِ ماذا ستجْتني؟
سِوى ألمٍ بَعْضُ البلاءِ بِهِ كُفْرُ
لَكَ النَّارُ ما أعْتقْتَ أمِّي إذا الهُرا
ءَ قالتْ وفي إحراقِ قلبيْ لَكَ الشَّكرُ
لَكَ اللهُ أذْللْتَ المَوَدّةَ بيننا
وكَفَّنْتَ أمِّيْ كيْ يَدومَ لكَ الكِبْرُ
****
سَقَطْنا بِوَحْلٍ كيْفَ نُخْرجُ حالَنا
وَقدْ شَدَّنا يا ليْتَ شِيمتَنا الصَّبْرُ
رَجَوْنا مِنَ السَّجانِ شَطْرَ مَحَبَّةٍ
فخابَ الرَّجاءُ الطِّفْلُ واسْتُعْبِدَ الشَّطْرُ
وَمَنْ عاشَ في جَوِّ القذارةِ عُمْرَهُ
أيُشْتَمُّ مِنْ طيَّاتِ أثْوابِهِ العِطْرُ ؟
وعلَّمْتُمونا كَيْفَ نَصْنَعُ ثورةً
وأطْعمْتمونا الصَّمْتَ وَقْتَ طَغى الجَوْرُ
نُبَدِّدُ ما الْتاعَ الجُدودُ لكَسْبِهِ
وتُحْرِجُنا الذِّكْرى إذا ما انْتَهى الأمْرُ
وأفْكارُنا عَطْشى ونَرْشِفُ طَيْشَنا
وشَرُّ البِلايا حِينما يَعْطَشُ الفِكْرُ
****
هَبيني جُنونَ الرِّيحِ يا ريحُ رُبَّما
ببعضِ جُنونِ العَقْلِ يبْتَسِمُ الدَّهْرُ
فلسطينُ ضاعتْ مَنْ يُؤازرُ أهْلَها؟
إذا عاشَ في أحشاءِ أحْشائِها الغَدْرُ
****
( من ديوان آخرُ اغنية للرحيل )
الإثنين 27/10/2010
الساعة الواحدة والنصف صباحاً