|
أرخى الأصيل على السماء وشاحه |
وإذا الروى في غيـمه تتجـسـد |
حيـن اكتست كل البطاح وكللـت |
قمـم الجبـال بعسجد يتـوقـد |
ثـم أختفى قـرص الذكا وتسابغت |
كتـل الضباب على الربى تتلـبـد |
ومضى سكون الليل ينشر صمتـه |
والكائنات بشـدوهـا تتـهجـد |
بين التلال الحالـمـات تآلـفـت |
صـور الجمال ملاحم تتعــدّد |
البدر ينشـر في الضباب خيوطـه |
والنهـر حـين يلمـها تتــأود |
والدوح تحت الطـل بـان كأنـه |
بطـل لسـاعة مجـده يـتـزود |
طافت على "الدفلى" تهفهف حلمـها |
رسـل النسيم بعبقها تتـنهــد |
والمـوج يهمـس للرصافـة سره |
فتجيب داعي سـرِّه وتـهدْ هِـد |
أصغي إلـى رجع الصـدى فأخاله |
شبـابة صوب الغـدير تـزغـرد |
فكأنما حشد الخيـال بديـعـــه |
في بيـت شعـر جـاده متعـبـد |
وكأنما حشر السنـاء جمــوعـه |
في موكـب فيـه البدور تجــنَّد |
ترنيمـة المضنى تداعب نـايــه |
تشجـي مقاما " للصبـا " يتنجـد |
وصبابتي بالشجـو تغمـرني قـوا |
فيها بلحــن دافــئ يـتـردد |
فكـر يمـوج بها الخيـال كلوحـة |
رسمـت بغيم ينـجـلي ويلبَّــد |
أرنو إلى تلك البقـاع ومـن بهـا |
أرق الجفـون مـلـوع ومسهَّـد |
إني ذكرتك كي أعلـل غربـتـي |
والبعـد بالشوق المـرير مجنّــد |
كل الروى حولي تكاتـل طيـفـها |
وتحـولت ملكا بوصلك يـوعـد |
والقلـب في سغب يعالـج همــه |
كيف انبرى طربا بذكرك ينشــد |
مالي وللشعـر الجميـل أقــوله |
لولا ضـرام ملهـب مـتـجـدد |
بيتـي بـودك كـان ملجـأ طالب |
نور المعارف إذ ترام فيـقـصــد |
عجبا لقلبـك كيـف رام مـذلتـي |
فمشـاعري خـدم وهجرك سيـد |
البعـد هـدم مـا بنيـت ورابنـي |
منك التبـرم أن يقـال تشــردوا |
يـا غيمتي السمراء منك نضارتي |
منك الشبــاب المزهـر المتورد |
ياخلتي الخرقاء منك توهجـي |
منك الشهـاب الملهـب المتوقد |
أحيا وليتك نـار شـمعة معزلي |
في غربة ليـلاء يعتمها الـغـد |
أحيا وليتـك نسمة طـردت بها |
ريـح الصبـا رمض الهجير فيبرد |
أحيا وقد فرغت يدي وأنـا الذي |
في الناس كانت لي الفضـائل واليد |
أحيا كمن جـرح الكبائر كلـها |
كضحيـة للـرعب حين تصفّـد |
إن عشت مغتربا فما نصبي سـوى |
لغد بقـربك أرتجـيه ويـبعـد |
ولئن فنيت يظـل ذكرك في البلى |
زادي ومـا يخشـى البـلى متزود |
عجبـا لقلبك كـيف أنكـر ودنا |
وغدا بصـدك جـاحدا يتـشـدد |
وعجبت كيف نسيت صفـو مودة |
لانت بهـا محن فهــان تــودُّدُ |
أو بعد مـا هجـر الشباب حدائقي |
تعيا الغصـون وجـدعـها المتجرد |
أو بعـد ما حار الشـراع بزورقي |
خلُقَتْ مجـاديفي وضاع المقــود |
سأعيش للذكرى وأشـرب أدمعـي |
ولـرب طـول بعادنا لـك أفـيد |
فالذكريات تـروقنـي رقصـاتهـا |
منهـا خيـالي، لـونـه المتفـرد |
لهفي على أحباب أمس بما نســوا |
ولقد رضيت بمـا يجيء به الغـد |