بسم الله الرحمن الرحيم
(لعلّ علي بن عيسى الرماني، ألّف كتاب الحروف على مثال كتاب الحروف لأرسطاليس، الذي أشار إليه ابن النديم (..)
وقد بدأ الرمّاني بالحروف الأحادية، ثمّ ثنّى بالثنائية، ثمّ تحدّث عن الثلاثية فالرباعية، وقد أورد الرماني هذه الحروف في سلك لايخضع لنظرة ذات اتجاه منظّم، فقد تحدّث عن الحروف بالترتيب الآتي:
الحروف الأحادية: الهمزة، الباء، السين، الفاء، الكاف، اللام، الواو.
الحروف الثنائية: وقد أوردها على النسق الآتي:
أل- أم- أن- إو- أي- لا- ما- وا- ها- بل- عن- في- من- قد- كي- لم- لو- هل- مذ.
الحروف الثلاثية: منذ- نعم - بلى - ثم -جير- خلا- رُبّ-على - سوف- إنّ- أنّ- ليت- ألا- إلى- إذا- أيا.
ثمّ ساق الكلام عن : حاشا- حتى-كأنّ- كلاّ- لولا- لوما - لعل-ألاّ -إمّا - هلاّ- لمّا- لكنّ (تلك هي الرباعية).
......................................
الحروف الأحادية
الهمزة
..وهي تُستعمَل في موضعين: في النداء والاستفهام.
فإذا استعملت في النداء، فلاينادى بها إلا القريب دون البعيد، لأن مناداة البعيد تحتاج إلى مدّ الصوت، وليس في الهمزة مدّ.
وإذا استعملت في الاستفهام، فإنها تأتي فيه على أوجه:
منها أن يكون على جهل من المستفهِم، كقولك: أقام زيد؟ أزيد عندك أم عمرو؟
ومنها أن يكون إنكارا: أزيد أمرك بهذا ؟ أمثلُ عمرو يقول ذلك؟ كقوله تعالى: ((آلله أذن لكم أم على الله تفترون))؟، ((آلذكرينِ حرّم أم الأنثييْن)) ؟
ومنها أن يكون توبيخا كقوله تعالى:
((أأنت قلتَ للناس اتخذوني وأميَ إلهين من دون الله))؟
هذا توبيخ لعيسى عليه السلام في اللفظ، ولقومه في المعنى، لأن الله تعالى علم أن عيسى لم يقل ذلك، ولكن قال ذلك له بحضرة قومه، ليوبخهم على ذلك، ويكذبهم فيما قالوه.
ومنها أن يكون تعجبا. كقولك: أيكون مثل هذا؟
ومنها أن يكون استرشادا كقولك للعالم: أيجوز كذا وكذا؟ كقوله تعالى: ((أتجعل فيها من يفسد فيها))؟
وذلك أنهم استرشدوا ليعلموا وجه المصلحة في ذلك. وقيل: هي تعجب، تعجبت الملائكة في ذلك. وزعم أبو عبيدة أنها إيجاب، وليس بشيء، لأن الملائكة لاتوجب مالم يوجبه الله، ولاتصرف همزة الاستفهام على معنى الإيجاب، لأن الاستفهام خلاف الواجب.
وتكون تقريرا وتحقيقا، وذلك إذا دخلت على "ما" أو "لم" أو "ليس"، كقولك: أما أحسنت إليك؟ ألم أكرمك؟ ألست بخير من زيد؟ والجواب: بلى. وإن شئتَ قلت: ألست خيرا من زيد؟ قال جرير:
ألستم خير من ركب المطايا
وأندى العالمين بطون راحِ
ويكون تسوية، وذلك في أربعة مواضع، وهي:
ماأبالي، أقمت أم قعدت؟
وليت شعري، أخرج أم دخل؟
وماأدري، أأذّن أم أقام؟
وسواء عليّ، أغضبت أم رضيت؟
قال الله تعالى"
((سواءٌ علينا أوعظتَ أم لم تكن من الواعظين)).
وقال حسان:
ماأبالي، أنبّ بالحَزن تيس
أم لَحاني بظهر غيب لئيمُ
وإذا دخلت همزة الاستفهام على همزة الوصل ، ثبتت، وسقطت همزة الوصل.
وإن كانت همزة الوصل مع لام المعرفة، مُدّت ولم تُحذف، لئلا يشتبه الاستفهام بالخبر، وذلك كقولك: آلرجل قال ذلك أم المرأة؟ . قال الله تعالى: ((آلله خيرٌ أمّا يشركون))؟
وإذا دخلت على همزة القطع، جاز لك أربعة أوجه:
أحدها: أن تُحقق الهمزتين، كقولك: أأنت قلت ذاك؟
والثاني: أن تحقّق الأولى، وتلين الثانية، كقول ذي الرمّة:
أان ترسمت من خرقاء منزلة
ماء الصبابة من عينيك مسجوم
والثالث: أن تُحقِّق الهمزتين، وتُدخِل بينهما ألفا، كقوله:
أيا ظبية الوعساء بين جلاجل
وبين النقا آأنت أم أمّ سالم
والرابع : إن من العرب من يفصل بالألف، ويليّن الهمزة الثانية، فهؤلاء خففوا من جهتين
وقد قرأت القراء بالأوجه الأربعة.
وإنما لم تعمل الهمزة شيئا، وكانت من الهوامل، لأنها تدخل على الاسم والفعل، وماكان بهذه الصفة لم يعمل شيئا، وإنما يعمل الحرف إذا اختصّ بأحد القبيلين دون الآخر.)
يُتبَـــع بــإذن الله..
......................
منقـــول من:"كتاب معانــي الحـروف" لمؤلفه أبي الحسـن علي بن عيسـى الرّمانـي النحـوي (296-384ه) . حققه وأخرج شواهده، وعلّق عليه، وقدّم له، وترجم للرمّاني، وأرّخ لعصره: د.عبد الفتاح اسماعيل شلبي. دار نهضة مصر للطبع والنشر/ القاهرة.
* ذكر ابن الأنباري وياقوت الحموي والكتبي كتاب الحروف باسم: "معاني الحروف"، وذكره القفطي باسم: "الحروف"..