بمحطة الشيخ الباقورى رحمه الله على الطريق الى مراجعات الاخوان استخلصنا محاورَ هامة جديرة بالمراجعة والتصحيح ، أهمها ضبط العلاقة بين الدعوة والدولة وانتهاز الفرص النادرة لاقامة وادامة التحالف بينهما ، وكذلك الرضا بالمُتاح القليل من السلطة المناسب للحركة الاسلامية كحقيبتى الأوقاف والتأمينات والشئون الاجتماعية بدلاً من اهدار الطاقات وخوض الصراعات الطويلة الدامية والمُهلكة فى سبيل نيل انفراد بالسلطة ينال من سمعة الحركة ويعصف بمنجزاتها ، وكذلك كان محور المصالحة التاريخية المفقودة بين الناصريين والاسلاميين التى كان الباقورى مع عبد الناصر نموذجاً مُصغراً مُبكراً لها ، الا أن المشروع أُجهض ؛ فلم يخطُ من الاخوان على درب الباقورى خطوة لاستكماله ، ومن جهة الناصريين فقد افتخروا بكل اجراء ناصرى حيالَ الاخوان عدا الاجراءات الايجابية المنحازة للمصالحة والتقريب والتوافق .
ومن المحاور المهمة الأخرى بمحطة الشيخ الباقورى تلك الازدواجية المَقيتة التى تسببتْ فى كثير من الكوارث والانهيارات ، فى حين ظن البعضُ من القيادات أنها طريق الوصول الى السلطة سريعاً بالخداع وبالسير فى اتجاهين أحدهما مخفى والآخر مُعلن ، وبالرغم من أن الشيخ الباقورى كان وكيلاً للمرشد العام ونائبه الا أنه لم يكن يدرى شيئاً عن النظام الخاص الذى شكله الشيخ البنا والذى كان فى صدارة الأسباب التى أضرت بالجماعة بعد رحيله .
الباقورى كان هو المرشح المناسب لخلافة البنا وتم رفضه من قبل مكتب الارشاد وقال الشيخ الغزالى كلمته الشهيرة " لن نأكل من عيش السراى " ، الا أنه كان حريصاً على الاصلاح وانهاء هذه الازدواجية التى صُدم عندما اكتشفها ، فأسهمَ فى اختيار الهضيبى واقناع الاخوان به كشخصية وقورة ومسالمة وقانونية تنبذ العمل السرى ، ولفتح صفحة جديدة من العلاقة بين الاخوان والدولة .
أثبتتْ الأحداث أن الباقورى كان الأنسب ، فقد حافظ الهضيبى على تلك الازدواجية وأعاد تشكيل الجهاز الخاص لاستخدامه فى صراعه مع عبد الناصر ، بينما كان الباقورى يضرب نموذجاً منفرداً للشفافية والوضوح والعمل السياسى المُعلن البناء .
القرار الأهم الذى لم يتخذه الدكتور محمد مرسى والذى كان كفيلاً بانجاحه كرئيس وضامناً لاكماله فترته الرئاسية ، هو قرار حل جماعة الاخوان المسلمين التى كانت سبباً رئيسياً فى اسقاطه ، كما كان الجهاز السرى سبباً فى اغتيال البنا وهزيمة الهضيبى .
لم يعد هناك مبرر لوجود الجماعة بعد سيطرة الاسلاميين على السلطة ، وقد صارت معهم دولة أقوى وأعلى من كل التنظيمات والجماعات ، يستطيعون بادارة راشدة ومتدرجة وشفافة لها تغيير وجه العالم .
وهذا ما سعى اليه القيادى الاخوانى السابق جمال عبد الناصر بعد وصوله للحكم ، فبعد نجاح الثورة رأى أن الغاية من التنظيم قد انتهتْ وأن هذه الازدواجية مُهلكة ، وقد حان الوقت ليعمل الاخوان فى اطار الدولة .
الهدف من الجماعات هو التمكين للاسلاميين فى السلطة ، ووجودها بعد تحقيق الهدف لا معنى له ، بل يثير الشكوك بأن من فى السلطة منهم تابع لهم ، فى الوقت الذى كان يجب التأكيد واعطاء البراهين الواضحة على أن مُرسى هو القائد وصاحب القرار ورئيس لكل المصريين ، وأنه ليس هناك أدنى شبهة فى أنه يأتمر بأمر أمير أو مرشد لهذه الجماعة أو تلك ، مع الاكتفاء بنشاط الحزب السياسى المُمِثل لهذه الجماعة .
كان حل الجماعة وتفكيك التنظيم بيد أبنائه ليتحولوا من طور التنظيم الى طور الدولة ضامناً لتقليل الخسائر المادية والأدبية ، بالمقارنة بقرار حله مُؤخراً من قبل السلطة الحالية ، بعدَ عناد عجيب من قيادات الاخوان بالتشبث والسعى المَحْموم للحفاظ على الدولة والتنظيم معاً ، فضاعَ الاثنان معاً ، فلا هم أبقوا على هذا ولا ذاك .
تلك عقبة أساسية أمام نجاح أى رئيس ينتمى لجماعة ، والمنطق يقول أنه ما دامت الثورة قد نجحتْ والمناخ مهيئ للعمل المُعلن فلا داعى لوجود تنظيم سرى ، وأن القيادى بالجماعة اذا وصلَ لقيادة الدولة ، فلتتفكك الجماعة وتلتحم بالدولة لتنهض وتسير للأمام ، وما حدث هو العكس ، حيث أبقى الاخوان على تنظيمهم بقوته وامكانياته المهولة وامتداده الخارجى مما أثارَ الفزع محلياً ودولياً ، فكان وضعاً معكوساً يُنبئ بأن الاخوان يحاولون ضم مصر اليهم كجماعة ، فى حين كان القرار العقلانى والناضج هو ضم الجماعة للوطن والتحامها به