المثلُ الروسى يقول " تاج القيصر لا يمكن أن يحميه من الصداع " ، فمهما كانت قوة مَن فى السلطة فلا يمكن نجاحه بسحق خصومه ، سيظل كلاهما يعرقل الآخر من أجل البقاء بصورة تنذر بخطر داهم وصولاً الى ما لا يُحمد عقباه .
المجلس العسكرى السابق يُبرئ ساحته من أحداث العباسية بتصريح غريب للواء العصار قائلاً : " أيدينا نظيفة من دماء المصريين " ! مؤكداً أنهم غير طامعين فى السلطة بمجرد انتخاب رئيس مدنى ، فهل بعدما حدث لا زالت الأيدى نظيفة من الدماء والنوايا خالصة لترك السلطة ؟ ، وكيف تحول بعض الاسلاميين الذين كانوا يواجهون الرصاص بأقفاص الفاكهة فى أحداث العباسية الى تشكيل تنظيمات تهاجم بالآر بى جى والمدفعية الخفيفة ؟ انها ارادة القضاء على الخصم للانفراد بالمشهد ، تجعله يُصارع وقد تضطره الى خيار الدم .
دخول القاعدة والجماعات المسلحة على الخط دمرَ الثورات ، وبالرغم من خبرات الحركة الاسلامية المتراكمة بأن العنف يصب فى صالح المنافسين ، فليس أمامهم غير ايقاع الاسلاميين فى فخ الصدام المسلح ليتمكنوا من أسر الوحش الاسلامى .
" المبادرة " مصطلح يُطلق على القرار الذى يصدر " بدْرى " قبل الانزلاق فى حرب حقيقية واتساع مساحة رقعة الدم ، وعدم اعطاء المبرر لجماعات مسلحة لتقوم بحرب بالوكالة مع الدولة .
الاخوان كانوا قادرين فى البداية على اتخاذ موقف وطنى يمنع تنامى نفوذ هذه الجماعات ويضخ الدم فى شرايين العملية السياسية الغائبة عن الوعى ، لكن التحرك ظل بطيئاً جداً والأداء باهت ، والاعتماد كان على دماء تُراق فى مظاهرات واعتصامات تغذى بقصد أو بغير قصد رغبة الثأر لدى المسلحين .
من الذى لم يُخطئ ؟ الجميع تقريباً تناوبوا الآن على السلطة – ما عدا الثوار غير المؤدلجين – والجميع ارتكبَ أخطاء شنيعة ، ومطالبون بالمراجعة ؛ فاذا رفضوا وحملَ كل طرف خصمَه المسئولية كاملة ، فمتى الاعتراف بالخطأ ومتى التصحيح ؟ هل بعد خراب مالطة وعلى أنقاض الوطن ؟
حالة من العناد والتشبث بالمصالح الحزبية وسقف مطالب غير مناسب لهذه المرحلة مما يطيح بجهود المصالحة لانقاذ مصر من الوصول الى مستنقع الاحتراب الأهلى واستنزاف الجيش ومؤسسات الدولة وصولاً لاخضاعها تماماً للارادة الغربية ، فى صراع دام على مستووين ؛ أحدهما بارد فى المظاهرات المنهكة للاقتصاد والمعطلة للانتاج والآخر ساخن بالتنظيمات المسلحة حتى لو لم يكن هناك ارتباط عضوى وتنظيمى بها .
اكتشف الشيخ البنا بعد قرار حل الجماعة الأول من خلال وكيل الداخلية عبد الرحمن عمار أنها مؤامرة اشتركَ فيها سفراء بريطانيا وأمريكا وفرنسا الذين اجتمعوا فى فايد وطلبوا من النقراشى حل الاخوان ، بالرغم من ذلك لم يسعَ الشيخ البنا لتدويل القضية بالضغط لدى حلفاء دوليين كما يفعل اخوان اليوم ، وأبقى الرجل القضية فى نطاقها الوطنى ورأى أن ما حدث مجرد " اجراءات محلية سوف لا تلبث أن تزول باذن الله ".
وسعى لتقريب وجهات النظر وقدمَ تنازلات مؤلمة لكن بعد فوات الأوان مع عدم الاعتراف بالأخطاء والاعتذار عن عمليات النظام الخاص ، وفى مذكرة الحل التى أصدرها البنا محاولة لنفى مسئولية الاخوان عن جميع الحوادث .
وحدث ما يحدث اليوم من اعتقال الآلاف من الاخوان ومصادرات وملاحقات وفصل طلاب وموظفين .
وكان الشيخ البنا هو الطرف الساعى للمصالحة وعرضَ اتفاقية تُرفع بها المظالم واطلاق حرية الدعوة فى الوقت المناسب الذى تراه الحكومة ، نظير التعهد من قبل المرشد ورؤساء الاخوان بأن يكونوا أعواناً صادقين للحكومة فى استقرار الأمن واستتباب النظام .
لكن جاءَ ذلك متأخراً جداً ، فى حين ذكرنا أن أهم ملامح المبادرة أنها واضحة مُنضبطة محددة فى نقاطها سواء فيما يتعلق بالمطالب أو التنازلات ، وقبل ذلك كله تأتى مبكراً قبل الانحدار الى هاوية العنف واختلاط الحابل بالنابل .
عنف السلطة لا يمكن قبوله أو تبريره ، ولن تعيش بمفردها بحل أمنى اقصائى ، فمتى تعترف بالحوار وتؤمن بالمصالحة ؟ وأغلب الظن أيضاً أن الاخوان سينتهون لتقديم تنازلات ، لكن بعد فوات الأوان