قراءة نقدية في النص .. ونظرا لما نعانيه من أزمة خانقة في التيار الكهربائي داخل غزة .. سأضطر لأن يكون على أكثر من حلقة :
لم تكن القصيدة ذات نمط تقليدي ، فقد جاءت تلبية متصاعدة لطبيعة القصيدة العصرية التي ينتهجها الشاعر اليمني د. مختار محرم
فهو من الشعراء الذيم يثبتون أن نهر الشعر العربي متجذر بكل التقانات التي تفي بكل ما يرقى بحالة التسجيل الشعري لكل ما يعتمل ويهتصر في الروح والواقع
ففي العتبة الأولى للنص :
يقف العنوان ملقيا بإرسالية ذخيرية بدوال ثلاث : ضجيج ـ قارعة ـ صمت
فالضجيج ؛ نجده أحد مرتكزات التعبير التي تشيع لدى شعراء عصرنا ، فهذه المفردة التي تتعدد مدلولاتها وتتماهى مع ما تحمله من قدرة تعبيرية تبحر في وصف ما يعتري إنسان هذا العصر
من حالة رفض القهر والهوان والرضوخ تارة ، وتارة أخرى فيما تبرزه من مبشرات بالتمرد على الحالة التي تعترينا .. فالضجيج بكل ما نستحضره في حضارتنا من مكونات وأسباب يقود لضجيج الروح والنفس وهنا كان د. مختار يحمل أولى علامات تمرده .
وقارعة الصمت ، هي تلك التي نلوذ بها .. إما عجزا وخوارا وضعفا .. وإما انتظارا في قافلتنا التي نذكي وقودها .
فالضجيج الذي يرسيه الشاعر يصب في إذكاء نار الغضبة الكبرى .. ليوم نكاد نراه مشهودا . فكانت المدلولات لتلك الدوال يسيرة التلقي ولم تدع القارئ مشتتا تائها في استجلائها .
نمضي مع النص في استهلاله الذي يقمحمنا في أفيائه :
هل لي بصمت يستبيح جدالي
وإجابة تسقي وجوه سؤالي؟؟
هل لي بتاريخ يقص حقيقتي
يجتاح ذاكرة الزمان البالي
نجد الشاعر لم يكن همه الأعلى إحداث التأثير الإدهاشي ، ليبرز مكنونات نصه الجمالية ، بل كانت هذه المكنونات حاضرة وضافية في النص بقوة ما يعتمل في روحه .
فالإدهاش جاءت انطلاقا من قدرة الشاعر على أن يكون ذا صدقية في طرحه وتبيانه لما سيعرضه من حيرة واغتراب .
فكان قادرا على أن نلج معه في رحلته التي يبدؤها بداية ديناميتية تصاعدية .
فهو هنا يقف أمام النفس يستجلي بواطنها ويعرض عليها تساؤلاته الغاضبة ..
فهو يبحث عن صمت يوقف ما يستبيح عقله المكدود ويوقف نزيف اعتماله ، فحالة الجدل التي لا تتوقف أمام المتناقضات ارتقت به ليصبح جدالا مريرا
وما يرتجيه من هذا الصمت يتعدى الانعتاق من حالة التمرد التي يحملها ، بل هو يرتجي منها أن تذكي نار الاجابة التي تفيض على صفحات السؤال الحائر الدائم
فهو ينقب في مرايا هذا الكون عن سؤال أزلي يتمدد ويتفرع كي يسجد الحقائق الكبرى .
تتعالى متوالية المطالب في البيت الثاني:
فهو يجوب الأصقاع بحثا عن تاريخ يخبره عن الحقيقة التي تسكنه ويعلن غزوه لذاكرة الزمان الذي بلي بمشاهده الباهتة التي تتبدى في ظل كارثية الوهم تارة ، والتغول على مبادئ الآدمية تارة أخرى .
مضطر لتوقف الكتابة بسبب اقتراب انقطاع التيار الكهربائي