الفقير والمسكين
بين ابن قتيبة والثعالبي
فرّق ابن قتبية الدينوري في كتابه ( أدب الكاتب ) ، بين الفقير والمسكين ، فقال في ( كتاب المعرفة ـ بَابُ مَعْرِفَة ماَ يَضَعُهُ النّاسُ في غَيْرِ مَوْضِعِه ) :
( ومن ذلك ( الفقير والمسكين ) لا يكاد الناس يَفْرُقُونَ بينهما وقد فَرَق الله تعالى بينهما في آية الصدقات فقال جلّ ثناؤه ( إنما الصّدَقَاتُ للفقراء والمساكين ) وجعل لكل صنف سَهْمًا والفقير : الذي له البُلْغة من العيش والمسكين : الذي لا شيء له قال الراعي:
أَمّا الْفَقِيرُ الّذِي كانَتْ حلُوبَتُهُ ... وَفْقَ الْعِيَالِ فَلَمْ يُتْرَكْ لَهُ سَبَد
فجعل له حَلُوبة وجعلها وَفْقًا لعياله أي : قوتاً لا فَضْلَ فيه ) .
بينما ذهب الثعالبي في كتابه ( فقه اللغة ) خلاف ابن قتيبة ، فقال :
( لاح لي في الرد على ابن قتيبة حين فرق بين الفقير والمسكين قال ابن قتيبة: الفقير الذي له بلغة من العيش، والمسكين الذي لا شيء له، واحتج ببيت الراعي:
أما الفقير الذي كانت حلوبته ... وفق العيال فلم يترك له سبد
وقد غلط لأن المسكين هو الذي له البلغة من العيش، أما سمع قول الله عز وجل: ( أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر ) . وقول الله عز وجلّ أولى ما يحتج به.
وقد يجوز أن يكون الفقير مثل المسكين أو دونه في القدرة على البلغة ) .
ويبدو أن هذا الاختلاف في تحديد على من يطلق وصف الفقير والمسكين قد أثر في الفقه أيضاً ..
جاء في ( الموسوعة الفقهية الكويتية ) :
الفقراء والمساكين هم أهل الحاجة الّذين لا يجدون ما يكفيهم ، وإذا أطلق لفظ ( الفقراء ) وانفرد دخل فيهم ( المساكين ) ، وكذلك عكسه ، وإذا جمع بينهما في كلامٍ واحدٍ ، كما في آية مصارف الزّكاة ، تميّز كلّ منهما بمعنًى . وقد اختلف الفقهاء في أيّهما أشدّ حاجةً :
ـ فذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ الفقير أشدّ حاجةً من المسكين ، واحتجّوا بأنّ اللّه تعالى قدّم ذكرهم في الآية ، وذلك يدلّ على أنّهم أهمّ وبقوله تعالى : { أمّا السّفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر } . فأثبت لهم وصف المسكنة مع كونهم يملكون سفينةً ويحصّلون نولًا ، واستأنسوا لذلك أيضًا بالاشتقاق ، فالفقير لغةً : فعيل بمعنى مفعولٍ ، وهو من نزعت بعض فقار صلبه ، فانقطع ظهره ، والمسكين مفعيل من السّكون ، ومن كسر صلبه أشدّ حالًا من السّاكن .
ـ وذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّ المسكين أشدّ حاجةً من الفقير ، واحتجّوا بأنّ اللّه تعالى قال : { أو مسكينًا ذا متربةٍ } . وهو المطروح على التّراب لشدّة جوعه ، وبأنّ أئمّة اللّغة قالوا ذلك ، منهم الفرّاء وثعلب وابن قتيبة ، وبالاشتقاق أيضًا ، فهو من السّكون ، كأنّه عجز عن الحركة فلا يبرح . ونقل الدّسوقيّ قولًا أنّ الفقير والمسكين صنف واحد ، وهو من لا يملك قوت عامه ، سواء كان لا يملك شيئًا أو يملك أقلّ من قوت العام .
واختلف الفقهاء في حدّ كلٍّ من الصّنفين :
ـ فقال الشّافعيّة والحنابلة : الفقير من لا مال له ولا كسب يقع موقعًا من حاجته ، كمن حاجته عشرة فلا يجد شيئًا أصلًا ، أو يقدر بماله وكسبه وما يأتيه من غلّةٍ وغيرها على أقلّ من نصف كفايته . فإن كان يجد النّصف أو أكثر ولا يجد كلّ العشرة فمسكين .
ـ وقال الحنفيّة والمالكيّة : المسكين من لا يجد شيئًا أصلًا فيحتاج للمسألة وتحلّ له .
واختلف قولهم ( أي الحنفية والمالكية ) في الفقير :
ـ فقال الحنفيّة : الفقير من له أدنى شيءٍ وهو ما دون النّصاب ، فإذا ملك نصابًا من أيّ مالٍ زكويٍّ فهو غنيّ لا يستحقّ شيئًا من الزّكاة ، فإن ملك أقلّ من نصابٍ فهو غير مستحقٍّ ، وكذا لو ملك نصابًا غير نامٍ وهو مستغرق في الحاجة الأصليّة ، فإن لم يكن مستغرقًا منع ، كمن عنده ثياب تساوي نصابًا لا يحتاجها ، فإنّ الزّكاة تكون حرامًا عليه ، ولو بلغت قيمة ما يملكه نصبًا فلا يمنع ذلك كونه من المستحقّين للزّكاة إن كانت مستغرقةً بالحاجة الأصليّة كمن عنده كتب يحتاجها للتّدريس ، أو آلات حرفةٍ ، أو نحو ذلك .
ـ وقال المالكيّة : الفقير من يملك شيئًا لا يكفيه لقوت عامه .
والله أعلم