عفواً .. مراهقه تكتب مذكّراتها
الجزء الثاني
2- دعوني أغفو هنا
مرة أخرى أنا هنا .. بين الأوراق و الكلمات .
ترددت كثيراً في أن أكتب مرة أخرى بعد محاولتي السابقة , التي كُلَّما قرأتها شعرت بأنني يجب أن أتوقف قبل أن أبدأ .
و برغم هذا .. إلا أنني أشعر بشئ من الراحة لأنني كتبت .. صحيح أنني لم أشعر بأنني قد كتبت شيئاً مفيداً بالمعنى المفهوم , ولكني على الأقل أخرجت توتري أو ضيقي أو مشاعري أو ما في داخلي .. نثرته على تلك الأوراق , كما يحدث عندما يتحدث المريض للطبيب النفسي , إنه يُخرج كل ما في داخله ليرويه , وكأنه يلقي بحجرٍ ضخم جاثم على صدره , شعرت أنا الأخرى بأنني أشعر بحرية ما .. لا أدري كنهها , ولكني لم أشعر بها قبل كتابتي .
حسناً .. اليوم أنا في حاجة إلى الصفاء .. إلى النقاء .. إلى البراءة .
في المساء .. بين أضواء النجوم الخافتة , وضوء القمر الباهت .. أكتب
الليل .. حين السكون .. أشعر بأن السماء ملكي .. ينبت لي جناحين لأحلّق بهما عالياً و أداعب القمر ليبتسم , و يسمح لي بأن أكون نجمة بين نجماته المتلألئة بأضوائها الخافتة , و أجلس بين النجمات ابتسم في نقاء .. أرى هذا الحبيب يحاول إحصاءنا في ليلة سهد , و أرى تلك الفتاة الرقيقة تناجينا في هيام وهي تتمنى أن ترسمنا عقداً على جيدها كي تُبهر حبيبها .
أسمع نغمات آتية من كواكب أخرى حولنا .. لتضفي على المساء لوناً خاصاً ..غامضاً و بريئاً .. وبين فضاء الأنغام أقوم بأداء رقصة رشيقة لتغار مني بقية النجمات , لتتسع عينا القمر في انبهار و يأمر أوركسترا الكواكب السيمفوني بالانعقاد فأستكمل رقصتي الرقيقة في تناغم مدهش ويتناثر مني عبير معطَّر فاستمع لنظرات الإعجاب من حولي , لينتهي العزف و يعلنني القمر أميرة كل النجمات .
وعندما تبدأ أضواء الفجر المتسللة في الظهور .. وبينما أنا استعد لرحلة عودتي اليومية منتظره الليل القادم , يُفاجأنا الفجر .. ويأتي النهار ليختطفني دوناً عن كل النجمات , فيبكي القمر و يغضب الليل و ينظر لي نظرة حنونة ذات معنى قائلاً "لن أترككِ ", و يحاول استعادة أميرة نجماته إلا أن الشمس تقهره ليغيب القمر وسط أشعة الشمس الساطعة ليتركني وحدي في عالم النهار البهّي .. حيث الألوان المبهرة والساطعة , حيث الأزرق أزرق و الأحمر أحمر والأخضر أخضر , وهنا انتبهت لانبهار الشمس بي أيضاً و انتبهت أيضاً إلى الأشعة الذهبية التي أتلألأ بها كشمس صغيرة , فذبت خجلاً من نظراتها و عدوت هاربة إلى السحاب الأبيض النقي .. أخبره بأنني أريد العودة لعالمي حيث المساء و حيث القمر و النجوم . حيث السكون , فيخبرني السحاب الحكيم أنه سيتوسط لدى الشمس كي تُعيدني مرة أخرى للقمر .. لأنني أعشق الليل , ولا أريد أن أكون شمساً في نهار .. ولكني أحب أن أبقى نجمة في المساء .. مع حبيبي .. الليل , فنحن حبيبين منذ الأزل ولا استطيع الحياة بدونه. و لكن الشمس لا ترضى ..
غدوت حزينة و بدأ الشحوب يكسوني .. حتى رأيته .. نعم سمعته يناديني .. إنه حبيبي .. الليل , والآن أراه متسربلاً بأشعته السوداء المحببة إلى قلبي , يأتي متحدياً النهار والشمس , ويفرض قوته ويُخفي ضوء الشمس و يلف السماء بعباءته السوداء ليختطفني داخلها و يُعيدني إليه مرة أخرى .. كان يهمس في أذني قائلاً .. "ألم أقل لكِ لن أترككِ" . , كنت أسعد أهل السماء وأنا بين أحضان حبيبي .. الليل , عائداً بي إلى دنيتي مرة أخرى .
وفي سعادة بالغة يستقبلني القمر ويُقبّل جبيني , و ارتمي في أحضان النجمات بين دموع الفرح لعودتي سالمة , و يعطوني تاج فضي اللون لأكون أميرة النجمات .. ولكن تلك المرة بلا غيره , و يأتي حبيبي .. الليل .. بحرملته السوداء ليأخذني ويقف في السماء ويجعلني جواره ويُلبسني خاتم فضي اللون ويعلن حبه لي أمام مرأى كل النجمات و أمام القمر و تنعقد الأوركسترا مرة أخرى لتعزف لحن مميز . و أرى أهل الأرض ينظرون في عجب و دهشة . .. وبينما أذوب خجلاً .. يقبّلني حبيبي .. الليل , وأهوى في بحر من السعادة
و أهوى
و أهوى
و أهوى
لأجدني هنا على الأرض مرة أخرى بين الأوراق .
دعوني أغفو إذن .. بين الأوراق.
فدوى أحمد فؤاد
الثلاثاء
17/10/2028