باتَتْ طُيورُ الأيْكِ سَاهِدَةً مَعِي
تَرْثِي لِحالِي في الهوي وتوجّعي
وتساءلتْ فوقَ الغصون حمامةٌ :
ما بال صاحبِها أَسِير الأدْمُعِ؟!
فأجَبْتُها والشّوق يحملُه الهوي
:
حالي كحالِكِ يا حمامةُ فاسمعي:
قدْ أيقظتْ نارُ الصبابة مُقْلَتي
والهجْرُ أسْهَدَني وأرّقَ مَضْجَعي .
وعَتِ الحمامةُ ما ألَمّ بِمُهجتي
وبَكَتْ لِحَالي بينما هي لا تعِي!!
يا بسْمةَ الأمسِ البَهِيِّ تذكّري
وتَرفَّقِي بفَتي الغَرَامِ الْمُولَعِ
طَالَ اشْتِيَاقي في الغرامِ ولَوعَتي
وأنا بدونِك كَالغريبِ بِبَلْقَعِ
أَوَلَمْ تَقُولي :سوف أرجعُ فانتظرْ ؟!
طالَ انْتِظَاري بينما لَمْ تَرْجِعِي !!
أتَجَرَّعُ الآلامَ مِنْ بَعْدِ الْهَنَا
وَجَوَي فِرَاقٍ مَا لَهُ مِنْ مفْزعِ
وَرَسَمْتُ فوقَ الْماء صورتَنَا مَعًا
وَحَفَرْتُهَا نَقْشًا عليْهِ بإصْبَعِ
كانَتْ رُسُومِي كالسّرَابِ لِظاميءٍ
والمرء إنْ يَشْرَبْ سَرَابًا يُخْدَعِ
عذبُ الغدير اليومَ أمْسَي مالِحًا
بعْد الفراق وبعد سكْبِ الأدْمُعِ
فكأَنّهُ ملأتْهُ عَيْني بالبُكَا
أسَفًا عليْكِ فباتَ مُرَّ الْمشْرَعِ
أنَا في مكانٍ عِنْدَهُ ذُقْنَا مَعًا
عذْبَ الغرام علي خَريرِ الْمنْبَعِ
وكأنّه لَحْنٌ عليه ترنّمتْ
من حولنا كلّ الطّيور السّجّع
طربَتْ لها ومضتْ تُرَجّع خلْفَها
ما رجّعتْ في نَظْمِهَا الْمُتَنَوّعِ
هَمَسَتْ بأنْفاسِ العَبيرِ كأَنّهَا
نَسمٌ رقيقٌ في رياض الْمرْبَعِ
فكأنّها لَمّا تبسّم ثُغْرُها
زَهْرٌ يَجُودُ بِعِطْرهِ الْمُتضَوِّعِ
فَاقَتْ جَمَالًا كلّ زهرٍ سافرٍ
يخفي محيّاها ستارُ البُرْقُعِ
فكأنّها شَمْسٌ وراء سحَابةٍ
أو درّة ٌ مكنونةٌ في قَوْقَعِ