بسم الله الرحمن الرحيم
اللام
تكون مفتوحة ومكسورة، فالمفتوحة من الهوامل لاعمل لها، وهي تكون للتوكيد في المبتدأ نحو قولك: لزيد أفضل من عمرو، وقد اضطرّ الراجز فأدخلها على خبر المبتدأ، فقال:
أمّ الحُليْس لَعجوزٌ شهْرَبه
ترضى من اللحم بعَظْم الرقبَه
وتدخل في خبر إنّ توكيدا، ودخولها يوجب كسر إنّ، قال الله تعالى: ((واللهُ يعلَمُ إنّكَ لَرسولُه)).
وإنما دخلت لتوكيد الخبر كما دخلت إنّ لتوكيد الجملة، وكان حقها أن تكون قبل إنّ، إلاّ أنهم كرهوا الجمع بين حرفي التوكيد، فزحلقوا اللام إلى الخبر. وكانت اللام أوْلى بذلك، لأنها غير عاملة، وإنّ عاملة، فكان تقديم العامل أولى. وقد يضطر فيدخل اللام قبل إنّ، وذلك مع إبداله الهاء من الهمزة، قال:
ألاَ ياسنا برق على قلل الحمى
لهِنَّك من برق عليّ كريم
وقد يضطرّ فيأتي بلامين، في نحو قولك: لهنك لقائم، وهو قبيح، وقد جاء به بعض المولدين، وهو حبيب، فقال:
أربيعُنا في خمسَ عشرةَ حجة
حقا لهِنّك للربيع المزهر
وقد أدخلها بعض الشعراء على خبر أمسى: أنشد ثعلب:
مروا عجالا، وقالوا كيف صاحبكم
قال الذي سألوا أمسى لمجهوداً
وحكى قطرب: أراك لشاتمي، وإني أراك لسمحا. وحكى يونس: زيد والله لرافق بك.
وقال كثيّر:
ومازلت من ليلى لدن أن عرفتُها
لَكالهائم المُقصى بكل مراد
وقد أدخلوها على خبر لكن، وأنشدوا:
ولكنني من حبّها لَعميدُ
وقد أدخلوها على خبر إنّ المفتوحة، أنشد قطرب:
ألم تكن حلفتَ بالله العلي
إن مطاياكَ لمن خير المطي
وهذا كله شاذ لايقاس عليه، ولايلتفت إليه.
ومن لام الابتداء قولك: لعمرك، وتكون اللام جوابا للقسم، وتلزمها إحدى النونين، وذلك نحو قولك: لتخرجن، ولتكرمن عمرا، وتأتي مع أن توطئة للقسم، وإنذارا به كقولك: لئن قمت لأكرمنك.
وإذا دخلت لام القسم على الفعل الماضي، كانت معها قد، كقولك: والله لقد قام زيد. ومنه قوله تعالى:
((لقدْ كان لكمْ في رسول اللهِ أُسوةٌ حسنة)).
وقال كثير:
لقد كذب الواشون مابحتُ عندهم
بسوء، ولاأرسلتهم برسول
وقد تحذف قد، قال امرؤ القيس:
حلفتُ لها بالله حِلفةَ فاجر
لَناموا، فما إن من حديث ولاوصالِ
وربما حذفت لام القسم، لأن النون يدل عليها، قال الشاعر:
وقتيلِ مرة أثارنّ فإنه
فِرغ وإن أخاكم لم يثأرِ
وأجازوا حذف النون، وإبقاء اللام كما حذف هذا الشاعر اللام، وأبقى النون، وعلى هذا تأولوا رواية قنبل: ((لأُقسم بيوم القيامة)). قالوا: حذفت النون، لأنها تدل على الاستقبال، وهذا الفعل للحال، وهذه القراءة فيها نظر.
وتكون اللام جوابا للو ولولا في قولك: "لو جاء زيد لأكرمته"، و"لولا أخوك لأحسنت إليك"، وقد تحذف هذه اللام.
وأما المكسورة فعاملة، وعملها على ضربين: الجر، والجزم في الأفعال، وهما متغايرتان، وإن اتفق لفظهما، فالجارّة نحو قولك: المال لزيد، والحبل للدابة. فاللام الأولى للملك، والثانية للاختصاص، فإن دخلت هذه اللام على مضمر فُتحت، وذلك نحو قولك: المال له، والثوب لك، وفي فتحها وجهان:
أحدهما: أن أصلهما الفتح، وذلك أن جميع الحروف التي هي أحادية، حقها الفتح، فلما اتصلت بالضمير رجعت إلى أصلها، لأن المضمر يرد الأشياء إلى أصولها في غالب الأمر.
والوجه الثاني: أنها إنما كسرت مع المظهر للفرق بين لام التوكيد وبينها، وذلك أنك لو قلت: إن زيدا لهذا، وأنت تريد الملك والاستحقاق لالتبس بقولك: إن زيدا لهذا، أي: هو هو . فلما اتصلت بالمضمر استُغنى عن الفرق، لأن علامة المضمر المجرور تخالف علامة المضمر المرفوع، تقول: إن زيدا لك إذا أردت الملك والاستحقاق، وإن زيدا لأنت، إذا أردت أنت زيد، وهذا قول سيبويه.
وقد تضمر أن بعد لام الجر، وذلك في موضعين:
أحدهما: أن تكون في معنى"كي". وذلك قولك: جئت لتكرمني، والمعنى: جئت لأن تكرمني، ويجوز إظهار أن هاهنا.
وقد تقع هذه اللام بمعنى العاقبة، نحو قوله تعالى: ((فالتقطه آلُ فرعون ليكون لهم عدوّا وحزَناً)).
أي فكانت عاقبته أن كان لهم عدوا، وهم إنما التقطوه ليكون لهم ولدا.
وبعض النحويين يسمي هذه اللام (لام) الصيرورة، أي ليصير لهم، أو فصار لهم.
الثاني: أن تكون بعد النفي، وذلك قوله تعالى:
((ماكان اللهُ ليذَرَ المؤمنين)).
والمعنى لأن يذر المؤمنين، ولايجوز إظهار (أن) هاهنا، لأن المعنى ينقلب، ولأن هذا جواب من قال: سيقوم زيد، فكما يجوز أن يفرق بين السين والفعل، فلذلك لايجوز أن يفرق بين اللام والفعل.
وأما الجازمة فلام الأمر، وذلك نحو قولك: ليقم زيد. والغالب عليها أن تدخل على فعل الغائب، وذلك نحو قولك: لتعن بحاجتي، ولتزه علينا.
وكذلك فعل المتكلمين، نحو قولك: لنقم، ولنخرج. قال الله تعالى: ((ولْنحمِلْ خطاياكم))، وقد يؤمر بها المخاطب: وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال في بعض مغازيه: "لتأخذوا مصافكم"، وقال مرة أخرى: "لتقوموا إلى مصافكم" وقرأ: ((فبِذلك فلْتفرحوا)) وقد يقع الأمر موقع الخبر نحو قوله: ((فلْيمددْ له الرحمنُ مَدّا)).
وهذا اللفظ لفظ الأمر ومعناه الخبر، لأن القديم لايأمر نفسه.
ومن حكم هذه اللام إذا دخلت عليها الفاء أن تسكن، كقولك: فليقُمْ زيد، وكذلك الواو نحو قولك: وليخرجْ أخوك، ويجوز الكسر، والإسكان أكثر، وإنما أسكنت لأن الفاء والواو يتصلان بما بعدهما، ولايجوز الوقف عليهما، فيشبه1............. وعلى هذا قالوا: فهي وهي، فإن كان في موضع الفاء والواو حرف على حرفين فصاعدا، كسر اللام لاغير عند البصريين، وذلك نحو قولك: بل ليقمْ زيد، ثم ليخرجْ عمرو، قال الله تعالى: ((ثمّ ليقضوا تفَثَهم)).
فأما من أسكن اللام من القراء، فالبصريون ينكرونه عليه ومجازه: (ثم) ساكنة، الأوسط، فكأنه نوى الوقف على الميم الأولى، وابتدأ: ماْيقضوا. وقد أسكنوا ماهو أبعد من هذا، وهذا قول امرئ القيس:
اليوم أشربْ غير مستحقب
إثما من الله ولاواغل
وكان الأصل: فاليوم أشربُ غير، فأسكن الباء على التشبه بقولهم في عضُد عضْد، وفي فُهو فهو، وفيه بعد، لأن هذا متصل، وذاك منفصل، وهو في الآية أسهل على نحو ماذكرناه.
وكسرت اللام الجازمة حملا على الجارة، لأنها نظيرتها، وذلك أن الجزم في الأفعال نظير الجرّ في الأسماء، فلما كانت اللام الجارة مكسورة لما ذكرناه قبل هذا، كسرت هنا حملا عليها.
يُتبَع بإذن الله
.................................
1..... هنا موضع كلمتين لم يتبين المحقق صحتهما.
منقـــول من:"كتاب معانــي الحـروف" لمؤلفه أبي الحسـن علي بن عيسـى الرّمانـي النحـوي (296-384ه) . حققه وأخرج شواهده، وعلّق عليه، وقدّم له، وترجم للرمّاني، وأرّخ لعصره: د.عبد الفتاح اسماعيل شلبي. دار نهضة مصر للطبع والنشر/ القاهرة.