السلام عليكم ورحمة الله
أحب في هذه السلسلة تبني أحد الكتب الشهيرة في علم البلاغة وهو البلاغة الواضحة للجارم ومن هذا الكتاب سأحاول شرح مواضيع البلاغة ما أمكن في حلقات مسلسلة ان شاء الله
___
البلاغة هي أحد علوم اللغة العربية، وهو اسم مشتق من فعل بلغ بمعنى إدراك الغاية أو الوصول إلى النهاية. فالبلاغة تدل في اللغة على إيصال معنى الخطاب كاملا إلى المتلقي، سواء أكان سامعا أم قارئا. فالإنسان حينما يمتلك البلاغة يستطيع إيصال المعنى إلى المستمع بإيجاز ويؤثر عليه أيضا فالبلاغة لها أهمية في إلقاء الخطب والمحاضرات. ووصفها النبي محمد في قوله: «إن من البيانِ لسِحرًا.» رواه البخاري.
يقول ابن الأثير: «مدار البلاغة كلها على استدراج الخصم إلى الإذعان والتسليم، لأنه لا انتفاع بإيراد الأفكار المليحة الرائقة ولا المعاني. اللطيفة الدقيقة دون أن تكون مستجلبة لبلوغ غرض المخاطب بها.»[
علم البيان
ويختص بعنصري العاطفة الخيالية معا -لأن الخيال وليد العاطفة- وقد سمي علم البيان لأنه يساعدنا على زيادة تبيين المعني وتوضيحه وزيادة التعبير عن العاطفة والوجدان.
علم المعاني
ويختص بعنصر المعاني والأفكار، فهو يرشدنا إلى اختيار التركيب اللغوي المناسب للموقف، كما يرشدنا إلي جعل الصورة اللفظية أقرب ما تكون دلالة على الفكرة التي تخطر في أذهاننا، وهو لا يقتصر على البحث في كل جملة مفردة على حدة، ولكنه يمد نطاق بحثه إلي علاقة كل جملة بالأخرى، وإلي النص كله بوصفه تعبيرا متصلا عن موقف واحد، إذ أرشدنا إلي ما يسمي: الإيجاز والإطناب، والفصل والوصل حسبما يقتضيه مثل الاستعارة والمجاز المرسل والتشبيه والكناية وأسلوب القصر.
علم البديع
ويختص بعنصر الصياغة، فهو يعمل على حسن تنسيق الكلام حتي يجيء بديعا، من خلال حسن تنظيم الجمل والكلمات، مستخدما ما يسمي بالمحسنات البديعة - سواء اللفظي منها أو المعنوي-. وإذا نظرنا إلى تاريخ وضع العلوم العربية، نجد أن معظمها قد وضعت قواعده، وأرسيت أصوله في القرون الأولى من الإسلام، وألفت العديدة في فن التفسير والنحو والتصريف والفقه وغيرها من فروع المعرفة، وكانت البلاغة من أبطأ الفنون العربية في التدوين والأستقلال كعلم منفرد له قواعده وأصوله لأن المسائل كانت متفرقة بين بطون الكتب، كما كانت مصطلحاتها غير واضحة بالصور المطلوبة.ولكن ليس معنى هذا انها كانت مجهولة أو مهملة من الباحثين كانت موجودة لكن غير مستقله.
============
تعريف علم البيان
(البيان) لغة: الكشف والظهور.واصطلاحاً: اُصول وقواعد يُعرف بها ايراد المعنى الواحد بطرق متعدّدة وتراكيب متفاوتة: من الحقيقة والمجاز، والتشبيه والكناية..، مختلفة من حيث وضوح الدلالة على ذلك المعنى الواحد وعدم وضوح دلالتها عليه، فالتعبير عن (جود حاتم) ـ مثلاً ـ يمكن أن يكون بهذه الألفاظ: جواد، كثير الرماد، مهزول الفصيل، جبان الكلب، بحر لا ينضب، سحاب ممطر، وغيرها من التراكيب المختلفة في وضوح أو خفاء دلالتها على معنى الجود..
أركان علم البيان
ثم انه لّما اشتمل التعريف على ذكر الدلالة ولم تكن الدلالات الثلاث: المطابقيّة والتضمنّية والإلتزاميّة كلها قابلة للوضوح والخفاء، لزم التنبيه على ما هو المقصود، فإنّ المقصود منها هاهنا: هي الدلالة العقليّة للألفاظ، يعني: التضمنّية والإلتزاميّة، لجواز اختلاف مراتب الوضوح والخفاء فيهما، دون الدلالة الوضعيّة للألفاظ يعني: المطابقيّة، لعدم جواز اختلاف مراتب الوضوح في بعضها دون بعض مع علم السامع بوضوح تلك اللفاظ، وإلاّ لم يكن عالماً بوضعها، فتأمل.ثم انّ اللّفظ إذا لم يرد منه ما وضع له من دلالته المطابقيّة، وانّما اُريد به دلالته العقلية من تضمّن أو التزام، فإن قامت قرينة على عدم إرادة ما وضع له فمجاز، وإن لم تقم قرينة على عدم إرادة ما وضع له فكناية، ومن المجاز ما يبتني على التشبيه، فيلزم التعرّض للتشبيه قبل التعرّض للمجاز والكناية، إذن: فعلم البيان يعتمد على أركان ثلاثة: التشبيه والمجاز والكناية.
=======
تعريف التشبيه
(التشبيه) لغة: هو التمثيل، يقال: (هذا مثل هذا وشبهه).
واصطلاحاً: هو عقد مماثلة بين شيئين أو أكثر وارادة اشتراكهما في صفة أو أكثر بإحدى أدوات التشبيه لغرض يريده المتكلّم.
وفائدته: أن الصفة المراد اثباتها للموصوف، إذا كانت في شيء آخر أظهر، جعل التشبيه بينهما وسيلة لتوضيح الصفة، كما تقول: (زيد كالأسد) حيث تريد اثبات الشجاعة له، إذ هي في (الاسد) أظهر.
أركان التشبيه
وأركان التشبيه أربعة:
1 ـ المشبّه، كزيد.
2 ـ المشبّه به، كالأسد.
3 ـ وجه الشبه، كالشجاعة.
4 ـ أداة التشبيه ـ كالكاف ـ في قولك: (زيد كالأسد) وقد تحذف هذه، كما في (زيد أسد).
ثم ان الركنين الاوّلين: المشبّه والمشبّه به يسميّان بـ(طرفي التشبيه) أو (ركني التشبيه).
طرفا التشبيه وأقسامهما
وطرفا التشبيه على أربعة أقسام:
1 ـ الحسّيان: بأن يكونا مدركين بالحواسّ الخمس الظاهرة التي هي: (الباصرة، السامعة، الذائقة، اللامسة، الشامّة) نحو: (خدّك الورد ألّمته الرياح...).
2 ـ العقليان: بأن لم يكونا مدركين بالحواس الخمس، بل أدركا بالحواس الباطنية: وجدانيّاً كان، أم وهمياً، أم ذهنياً، نحو: (الجهل موت والعلم حياة..).
3 ـ المشبه به عقلي والمشبه حسّي، نحو: (الطبيب الجهول موت معجّل...).
4 ـ المشبه به حسّي والمشبه عقلي، نحو: (العلم كالنور يهدي كل من طلبه...).
طرفا التشبيه إفراداً وتركيباً
ينقسم (التشبيه) باعتبار طرفيه من حيث الإفراد والتركيب إلى أقسام أربعة:
1 ـ تشبيه مفرد:
أ ـ مطلقين كانا، نحو: (طالخدّ كالورد).
ب ـ أم مقيّدين، نحو: (العلم في الصغر كالنقش في الحجر).
ج - أم مختلفين، نحو: (ريقه كالشهد المصفّى) أو (الشهد المصفّى مثل ريقه).
2 - تشبيه مركّب بمركّب، كقوله:
كان سهيلاً والنجوم ورائه صفوف صلاة قام فيها إمامها
3 - تشبيه مفرد بمركّب، كقولها:
أغرّ أبلج تأتمّ الــهداة بـــه كـــأنه علـــــم فــي رأسه نار
4 ـ تشبيه مركّب بمفرد، كقوله:
وأسنانه البيض فــي فـمه تلوح لدى الضحوك كالاقحوان
طرفا التشبيه إذا تعدّدا
وينقسم (التشبيه) باعتبار طرفيه من حيث الإفراد والتركيب إلى أقسام أربعة:
1 ـ التشبيه الملفوف: بأن يجتمع مشبّهان أو أكثر معاً، ومشبه بهما أو أكثر معاً أيضاً، كقوله:
ليــــــل وبــــــــدر وغصــــن شعــــــر ووجـــــــه وقــــــــدّ
2 - التشبيه المفروق: بأن يجتمع كل مشبّه مع ما شبّه به، كقوله:
انما النفس كالزجاجة والعلــ ـــــــم سراج وحكمـة الله زيت
3 - تشبيه التسوية، بأن يتعدّد المشبّه دون المشبّه به، كقوله:
صــــــدغ الحبيـــب وحـالي كـــــــــلاهمــــــا كــــالليالــــــي
4 - تشبيه الجمع، بأن يتعدّد المشبه به دون المشبه، كقوله:
كأنمـــــا يبسم عـــن لـؤلؤ مـــــُنضّد أو بَــــــرَد أو اُقـــــاح
التشبيه باعتبار وجه الشبّه
ينقسم التشبيه باعتبار (وجه الشبه) الى ستة أقسام:
1 ـ تشبيه التمثيل، وهو ما كان وجه الشبه منتزعاً من متعدّد، كقوله:
وما المرء إلا كالشهاب وضوئه يـــوافي تـــمام الشهر ثم يغيب
فشبّه الانسان في أدواره بالقمر في أطواره: هلالاً، وبدراً، ومحاقاً، فسرعة الفناء هو وجه الشبه المنتزع من أحوال القمر.
2 ـ تشبيه غير التمثيل، وهو ما لم يكن منتزعاً من متعدّد، نحو: (زيد كالاسد) فوجه الشبه الشجاعة وهو لم ينتزع من متعدّد.
3 ـ التشبيه المفصل، وهو ما ذكر فيه وجه الشبه أو ملزومه، كقوله:
يـــده كـــالسحب جـــوداً وإذا مــــا جـــاد أغـــرب
وكقوله للكلام الفصيح: (هو كالعسل حلاوة) فإنّ وجه الشبه فيه هو لازم الحلاوة وهو ميل الطبع، لا الحلاوة الّتي هي ملزوم لوجه الشبه.
4 ـ التشبيه المجمل، وهو مالم يذكر فيه وجه الشبه ولا ما يستلزمه، كقوله:
إنما الدنيا كبيت نسجته الــعنكبوت ولعمري عن قريب كلّ من فيها يموت
وكقوله: (هم كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفاها) أي: متساوون في الشرف.
5 ـ التشبيه القريب المبتذل، وهو ما كان وجه الشبه فيه واضحاً لا يحتاج إلى فكر وتأمل، كتشبيه الجود بالمطر، إلا أن يتصرّف المتكلّم فيه بحيث يخرجه عن الابتذال، كقوله:
لم تلق هذا الوجه شمس نهارنا إلا بــــوجه لـــيس فـــيه حــياء
فإنّ تشبيه الوجه الحسن بالشمس مبتذل، إلا ان التصرّف فيه بإدخال الحياء أخرجه عن الابتزال.
6 ـ التشبيه البعيد الغريب، وهو ما كان وجه الشبه فيه يحتاج إلى فكر وتأمّل، كقوله:
والشمس كالمــرآة في يكف الاشل تمشي على السماء من غير وجل
فإن تموج النور حين طلوع الشمس وتشبيهه بالمرآة في اليد المرتعشة التي تتموّج انعكاساتها، يحتاج إلى فكر وتأمّل.
يتبع موضوع التشبيه ان شاء الله