ثلاثيةُ الجدّ والحفيدة
( 1 )
قديماً ..
تجنّح قلبك فى الفجر ضوءا شفيفا ولمع نجومْ
تجنّح روحا ترف .. تحومْ
تطير على شجر البرتقالْ
كطيف خيالْ
قديماً ..
تذهّب قلبك فى الشمسِ
تبدّدتَ شدوا ولحن طيورْ
وغرّد حلمك للكون حبا وودا وعطر زهور
قديماً ..
تطاير قلبك فى الحلم لحنا وضوءا وشوقا بريئاً ..
حنينا ودنيا من الشِعرِ .. لمعَ مرايا ..
وقودا لحب ونوح وقطرات شوقْ ..
قديما .. تطاير قلبك بين الغيوم رفيفا وبرقا وتوقا وشوقا الى المستحيل .
بلادى ..
حببتك نجما يضئ الأماسى
حببتك أما تهدهد دمعا .. تواسى
حببتك حلماً تدغدغه اغنياتُ الهجوعْ
وطيراً يخاف الصقيعَ ويهوى الرجوعْ
حببتك دفء الشتاء وزهر الربيعْ
حببتك برَّ أمانْ
ونبضاً يدق بقلب الزمانْ
وأما تلاعب طفلا بلحن حنونْ
وفرحةَ عيدٍ بعالم حزنٍ ودنيا شجونْ
حببتك أهلا وسهلاَ
حببتك زيتونة ووروداً وفُلاَ
حببتك أقوى وأغنى وأحلى
بلادى
بلادى
بلادى
بلادى
حياتى وعينى وروحى وأغلى
عشقتُ فتاتى .. ضفائرَ شَعرْ
قصيدةَ شِعرْ
وعطراً وضوْءاً وملمسَ زهرْ
حياءً وطهرْ
مساءً جميلا , وبهجةَ فجرْ
عشقت فتاتى كأُمْ
وخالٍ وعمْ
وليلةِ عرسْ
ووردٍ بكأسْ
وإبنٍ وبنتٍ وفرحةِ نفسْ
( 2 )
"وها أنتَ ..
وها أنت تسكب فى البحر آخرَ قنّينةٍ للدموعْ
بعيدا بلا مأوى
وترقص كل الليالى القديمة رقصة موت جماعيةٍ
وتسكب فى الأفق آخر حلم وآخر نبضةْ
وها أنتَ ..
تصارع وحدك كلَ العيونْ
وتسكب نفسك فيها
وتفقد نفسك فيها
بعيداً بلا جدوى
تناشد مفترقات الدروبْ
بدون بلادٍ ,
بدون حبيبْ
وتسجن عمرك بين القروح وبين الندوبْ
فلا أنت دمعٌ لكيما تسيلُ , ولا أنت شمعٌ لكيما تذوبْ
وها أنت ..
تناشد لفظاً لكي ...
وتحيا لكي ...
بعيداً بلا معنى
تَبدَّدَ حلمُك فوق الشطوط القديمةْ
وفوق الرمال النديةْ
وبين الصخور الكئيبةْ
وها أنتَ ..
وها أنت تبدو عجوزاً كنخل الصحارى , كصبّارةٍ فى الفلاةْ
محيطا بدون حياةْ
دموعا بدون صلاةْ
وها أنت تبدو مريضا كسوسنة فى المساءْ
تُعلّق كل الحكايا بواجهة الحزنِ
وتنزف لحنا (تنام عليه) النجومْ
وها أنت تدرك أن الطيورَ تنام
وها أنت تدرك أن الطيور تموت"
( 3 )
تعود ؟
نعم ستعود
ولكن كحلمٍ تعلّق بين رموش الليالى
كذكرى لماض تليدْ
وعهدٍ مجيدْ
وكونٍ سعيدْ
نعم ستعود
ستصبح تلك الحفيدةُ أمَّ البنين وأمَّ البناتْ
تعابث هذا وتضرب ذاكْ
وتُجبر تلك على الإلتفاتْ
و حول الطعامِ ,
ستُشعل مِدفأةَ الذكرياتْ
تقول الجميلةُ : جَدّى
حكى كيف كان عُمَرَْ
وإبن الوليد و كيف انتصرْ
وجيش العروبة والمعتصمْ
وسوط الخليفة فوق ظهور العجمْ
حكى عن صلاحٍ وكيف انتقمْ
وعن برّ مصرَ وكيف اشتعل
أجل
حكى لى . وقبّلنى , ثم نام
وحين تجوّل جندُ الظلامْ
يدقون قلبَ الخيامْ
شتائمهم حانقات
ويصرخ زاعقْ
ويُرعد ناعقْ
وسبّ وضرب بكعب البنادقْ
كريح تهاجم قلب الحقول وصفو النباتْ
ويصرخ طفلٌ .. وتجرى بناتْ
يموج المخيّم فى الأمسياتْ
يهزون جدى بنعل الحذاء
بوخزة خنجر
يهزّون أكثر
تجاهل حدى
ولم يتكلمْ
ولم يتحركْ
وماتْ ..
يشق صراخى عنانَ الفضاء
وآاااا .. آاااا ..
وآااااااهٍ و آااهْ
تدق طبول الجسارةْ
ويعوى صراخ الحجارةْ
ويشتمُ جارٌ وتلعن جارةْ
ومن كل خيْمةْ
ومن كل حارةْ
ويصرخ كل الشباب وكل البنات
إليكم حجارهْ
إليكم حجارهْ
وهاتِ وهاتِ وهاتْ
هجومٌ عنيفٌ بدون عددْ
ومن كل ركنٍ يجئ المددْ
إلهٌ صَمَدْ
إلهٌ أحَدْ
إلهٌ صَمَْد
إلهٌ أحَدْ
إليكم حجارةْ
إلهٌ صمد
وهات وهاتْ
إلهٌ أحدْ
والله اكبرْ
وهات وهات
وهات وهات
ويجرى الجنود بعيداً عن الغاضبين الصغارِ ,
ككلبٍ يخافُ من الركَلاتْ
نعم ستعودْ
كأغنية من زمان الحنينْ
كطير مع الفجر يجذب سرّ الضياءْ
كنسمة صيف تبعثر عطر الورودْ
يرف على الكون لحن الخلودْ
نعم ستعودْ
فنم هادئا ياحبيب الجميعْ
برقة طفل رضيعْ
وقلب وديعْ
فيا جدّ منى اليك المحبهْ
وشوق الأحبهْ
ويا جدّ منى اليك سلام الركوع وصفو السجودْ
ويا جدّ منى اليك حنين القصيدْ
وأنشودتى يا أعزّ شهيدْ
إلى أن تعودْ ..
إلى أن تعودْ..
نعم ستعود .