نظرات في
( الأصول العشرين )
للشيخ حسن البنا رحمه الله تعالى
بقلم : بهجت الرشيد
الأصل الأول :
( الإسلام نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعاً فهو دولة ووطن أو حكومة وأمة، وهو خلق وقوة أو رحمة وعدالة، وهو ثقافة وقانون أو علم وقضاء، وهو مادة أو كسب وغنى، وهو جهاد ودعوة أو جيش وفكرة، كما هو عقيدة صادقة وعبادة صحيحة سواء بسواء ) .
هذا الأصل نابعٌ من حقائق الإسلام الكبرى ومسلماته ، منطلقٌ من وعي عميق لرسالة الإسلام .. فالإسلام ما جاء لينزوي في المساجد والزوايا ، وإنما جاء ليخرج الناس جميعاً من أوضاع الجاهلية وتصوراتها القاصرة المغلوطة إلى الربانية ، من عبادة العباد وتسلطهم على رقاب البشر ومصائرهم إلى الحرية المتمثلة في العبودية المطلقة لله تعالى ..
فالإسلام إذن نظام يشمل جميع نشاطات الإنسان ، ومختلف أوضاعه ، عباداته ومعاملاته ، روحه وجسده ، قلبه وعقله ، سلمه وحربه .. يأمره بالتوحيد ، كما يأمر بإماطة الأذى عن الطريق ، قال تعالى ( قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) . ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ . وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ) .
وكيف يكون المسلمون شهداء على باقي الأمم ، إلا إذا كانوا القادة والقدوة في جميع جوانب الحياة ، يحملون مشعل الحق والخير والجمال لكل النّاس ..
والله تعالى ما فرّط في الكتاب من شيء ، قال تعالى ( مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ) .
كما أمر تعالى أن يحكّموا شريعته ، ولا يذهبوا مع أهوائهم وشهواتهم ( فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا ) .
وأرسل رسوله للناس أجمع ، عربهم وعجمهم ، أبيضهم وأسودهم ، غنيّهم وفقيرهم ، حاكمهم ومحكومهم ، وأمرهم باتباعه ، قال تعالى ( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) . ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ) . ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ ) .
وأنزل الكتاب مهيمناً ، قال تعالى ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ ) .
فالقرآن هو المرجع الأخير للبشرية ، والشريعة الخاتمة ، والنظام الذي لا يقبل التبديل والتعديل ، فلا بدّ من أن يهيمن شريعة القرآن ومبادئه وقيمه ونظامه على كل المفاهيم والقيم والأنظمة ، وفي كل المجالات ، الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والفكرية والثقافية والفنية والعسكرية ..
فالإسلام منهج حياة كامل ، لا يقبل التجزئة والتفريق ، وعلى المسلم أن يدخل الإسلام بالكلية ، قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ) .
وتوّعد سبحانه من يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض ، قال تعالى ( أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ ) .
ومن جعل القرآن أجزاءً يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض ( الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ ) .
إذن فلا مكان هنا لمن يقول لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة ، وأن الدين أمر لا يتعدى الحدود الشخصية ، وأن النّاس أدرى بأمور دنياهم .. هكذا بإطلاق .. أو من يقول بتاريخانية النص القرآني ، وأن فيه آيات لا تصلح لزماننا هذا !