فى البداية ينبغى النظر للنموذج الغربى عندما بادر رجال أعمال غربيون بالتبرع بأنصاف ثرواتهم ، كانت الأمور واضحة جداً ومحددة بدقة أمام الرأى العام ؛ فهناك مؤسسة مستقلة عن الدولة تشرف على ادارة هذه الأموال والمشروعات المتكفلة بدعمها وتمويلها والتى يستفيد منها فى الأساس الفقراء فى دول أوربا والأرامل واليتامى والمسنون والعاطلون وأطفال الشوارع . هنا خيط مفقود فى المشروع الذى تم اطلاقه مؤخراً ، مع التأكيد على ترحيبنا بالفكرة بالمجمل ، لكن هناك تفاصيل فى غاية الأهمية يجب شرحها باستفاضة لبعث الثقة فى المشروع ، وحتى يأتى بالثمار المرجوة منه . الغربيون بالفعل أكثر حرصاً على التمثل بنماذجنا الاسلامية بشأن الاهتمام بتلك التفاصيل المشار اليها ؛ فأبو بكر رضى الله عنه كان له يوم أسلم أربعون ألف درهم مدخرة من ربح تجارته ، وقد ربح الكثير من التجارة بعد اسلامه ، فلما هاجر الى المدينة مع صاحبه صلى الله عليه وسلم لم يكن قد بقى له سوى خمسة آلاف درهم ، لقد أنفق ماله المدخر فى افتداء الضعفاء من الموالى المسلمين الذين كانوا يذوقون العذاب ألواناً من سادتهم الكفار ، كما أنفقه فى بر الفقراء والمعوزين ، فالانفاق هناك محدد الوجهة ويستهدف فى الأساس الارتقاء بحال الفئات المهمشة والفقيرة. عمر بن الخطاب رضى الله عنه يصيب أرضاً بخيبر، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ان شئت حبست أصلها وتصدقت بها " فيجعلها عمر وقفاً على الفقراء وأولى القربى وفى الرقاب وفى سبيل الله والضعيف . عثمان رضى الله عنه قبل الخلافة ترد عير له من الشام فى وقت نزل فيه البرح بالمسلمين من الجدب ، فاذا هى بعير موسوقة براً وزيتاً وزبيباً ، فيأتى التجار يقولون : بعنا من هذا الذى وصل اليك ، فانك تعلم ضرورة الناس ، فيقول حباً وكرامة كم تربحونى على شرائى ؟ فيجيبون : الدرهم درهمين ، ، فيقول أعطيت أكثر من هذا ، فيقولون : يا أبا عمرو ما بقى فى المدينة تجار غيرنا ، وما سبقنا اليك أحد ، فمن الذى أعطاك ؟ فيجيب : ان الله أعطانى بكل درهم عشرة ، أعندكم زيادة ؟ فيقولون : لا ، فيشهد الله على أن هذه العير وما حملت صدقة لله على المساكين والفقراء من المسلمين . على رضى الله عنه وأهل بيته يتصدقون بثلاثة أرغفة من سويق كانت لهم على مسكين ويتيم وأسير ، ثم يبيتون على الطوى وقد شبع المسكين واليتيم والأسير . التحديد بالدقة والتفاصيل مهم غاية الأهمية فى هذا الملف الخطير ، فالغربيون لم يتبرعوا هكذا بأنصاف ثرواتهم لبلادهم فى البنك المركزى – وهى خطوة يصدهم ذكاؤهم وحنكتهم عن الاقدام عليها - ، انما ذهبت الأموال مباشرة لمن يحتاج هذه الأموال من خلال عمل مؤسسى يشرف عليه المتبرعون أنفسهم ، وكذلك فعل الجيل الأول من الصحابة رضوان الله عليهم . ومن أجل مصر هناك من الاجراءات التى ينبغى على الدولة القيام بها لانعاش الاقتصاد وانقاذ البلاد أهم وأجدى بكثير من فتح باب التبرعات لمصر ، فمصر – الدولة - غنية ، بل أغنى من كثير من الدول التى تتصدق علينا ونمد لها أيدينا ، ومصر ليست فقيرة أبداً انما غالبية ناسها هم الفقراء ، والفارق كبير بين هذا وذاك . فقط افتحوا ملف الفساد واغلقوا حنفية النهب والسلب واستنزاف الاقتصاد المصرى وهبر المال العام ، وكلمة صدق على لسان القذافى قالها قديماً " مصر هى الأغنى لكنها منهوبة " ، وأذكر فقط بأخطر صفحات هذا الملف ليفتحها الرئيس السيسى على لسان اللواء مهندس عمر الشوادفى رئيس جهاز المركز الوطنى لاستخدامات الأراضى – لا أدرى ان كان لا يزال فى منصبه - ، قال : " ان نحو 16 مليون فدان تم الاستيلاء عليها – فى عهد مبارك – من مافيا الأراضى ، وتقدر قيمتها بنحو 800 مليار جنيه . ومن المستفيدين رجال أعمال وشركات عربية وخليجية وأمراء وأميرات عرب – بدون ذكر أسماء - . لفقراء مصر تبرعوا بعمل مؤسسى جاد واضح ومحدد يشرف عليه المتبرعون ، ويثق فيه من يريد الاسهام معهم ونضمن استراره ونماءه ، أما لمصر ولأجل مصر ، فافتحوا ملفات الفساد وأغلقوا حنفية النهب والهبر والتكويش .