خارطة الطريق .. دخان بلا نار
أشغلت الولايات المتحدة فضاء الكرة الأرضية بما أطلقت عليه خارطة الطريق لحل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي. هذه الخطة التي وجدت صدى لها في أروقة القصور الجمهورية والملكية العربية وأذاناً صاغية من نزلائها.
ان طرح مشروع خارطة الطريق في واقع الحال لا يعدو محاولة جديدة لإمتصاص غضب الشارع العربي على ما فعلته أمريكا وحلفائها من جرائم في العراق، وغطاءاً هشاً وآنياً لجرائمها وظلمها للمجتمع العربي، تأتي هذه الخطة في وقت أشبه ما يكون بفترة حرب الخليج ومبادرة بوش الأب المشهورة "الأرض مقابل السلام" والتي أفضت في النهاية لاتفاق أوسلو البائد، واليوم يخرج علينا بوش الابن بمبادرة جديدة كما ذكر يبدو أنها للاستهلاك فقط.
هذا وتأتي المبادرة الأمريكية في توقيت غير مناسب البتة للأسباب التالية:
أولاً: الإفلاس العربي الاستراتيجي والشعبي والتعبوي.
ثانياً: اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في أمريكا (2004).
ثالثاً: تحكم إسرائيل بالفلسطينيين المطلق.
رابعاً: فقدان الفلسطينيين لأية ورقة مساومة الا المقاومة .
خامساً: ترّبع أمريكا التام على عرش العالم دون منازع.
سادساً: فقدان الأمم المتحدة دورها بل ومصداقيتها دولياً .
سابعاً: فقدان جامعة الدول العربية أيضاً دورها ومركزها عربياً.
لكن ما قيل فقد أقدمت واشنطن على طرح المشروع المشؤوم هذا ملزمة الفلسطينيين بجملة من الشروط منها ماله علاقة بالتدخل في الشأن الفلسطيني الداخلي وآخر في القضايا القانونية والإدارية وآخر له علاقة بنوعية وطريقة الحل النهائي.
وبالمناسبة فالدارس لمشروع خارطة الطريق، التي توّجت بلقاء العقبة الذي ضم كلاً من الولايات المتحدة واسرائيل والسلطة الفلسطينية بضيافة أردنية، الدارس له يخرج بعدة نتائج منها:
أولاً: الإجحاف في حق الفلسطينيين واضح وصل درجة الإلزام والاشتراط في أمور ذات علاقة مباشرة بالسلطة الوطنية الفلسطينية والشعب الفلسطيني،وهذا تدخل صارخ في الشؤون الداخلية للفلسطينيين .
ثانياً: التوجه رسمياً للجانب الفلسطيني بإعلان الحرب على القوى الإسلامية والوطنية المعارضة من وجهة نظرهم للحلول السلمية، وهذا ما سيوصل في النهاية لحرب أهلية داخل الشعب الفلسطيني.
ثالثاً: التهرب من مصطلحات كثيرة لها علاقة بالاحتلال والشرعية الدولية والسيادة المطلقة.
رابعاً: تجاهل البت في القضايا الجوهرية، وتأجيل البت فيها إلى المرحلة النهائية، وهذا هو تكرار لنفس ما جاء في روح اتفاق أوسلو المشؤوم الذي اجّل البت فيها لحين الوصول للمرحلة النهاية، وهذه القضايا هي لب الخلاف الإسرائيلي- الفلسطيني وجوهره، وهي القضايا الساخنة فعلاً، وهي: القدس، اللاجئون، الاستيطان،الحدود...
خامساً: الحديث عن دولة فلسطينية مجهولة الحدود والعاصمة والسيادة والمساحة، أي دولة في فضاء فلسطين فقط إلى جانب دولة إسرائيل.
سادساً: تجاهل الممارسات القمعية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية مثل: الاغتيالات وهدم المنازل وتجريف الأراضي وحصار خانق، كل ذلك دون الطلب من السلطات الإسرائيلية الحد من ذلك إلا بإشارات على استحياء.
سابعاً: عدم إلزام إسرائيل بشكل قاطع بوقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية او تفكيك للمستوطنات وانما إزالة بؤر استيطانية غير مأهولة بالسكان أصلاً...
ان هذه النقاط وغيرها تشير بوضوح الى كون خارطة الطريق مهزلة جديدة تضاف الى مسلسل المسرحيات التي حيكت ونسجت خيوطها في واشنطن وتل أبيب، لا لصالح الشعب الفلسطيني، بل الإسرائيلي.
ان ثمرة مشروع الخارطة هذه ستعود على إسرائيل في الدرجة الأولى، وتأتي في وقت فيه اسرائيل في أمس الحاجة لها لما يلي من أسباب:
أولاً: الأزمة الاقتصادية الخانقة التي هزت اقتصادياتها بسب الانتفاضة الفلسطينية.
ثانياً: لملمة اسرائيل لأنفاسها عملاً على إجهاز جديد على الشعب الفلسطيني.
ثالثاً: كسب الوقت لتوسيع المستوطنات والاستيلاء على الأراضي العربية.
رابعاً: لاغتيال الأحرار ممن سيحسبون من رافضي الخطة المطروحة كقيادات وكوادر القوى الاسلامية والوطنية.
خامساً: لكسب الرأي العام العالمي الى جانبها بعد موجة الاحتجاج العارمة ضد سياساتها العسكرية في الأراضي الفلسطينية.
إن هذا المشروع وكما حكم عليه الكثيرون فاشل منذ البداية، وكما قال الفلسطينيون في معرض تبريراتهم للموافقة عليه: "نحن لا نملك خياراً آخر ولا بديل"، كل ذلك في وقت تواصل فيه إسرائيل القضاء على مقومات الشعب الفلسطيني واغتيال أبنائه.
وعليه فالمشاريع ومسلسلات التهريج على شعبنا كثرت، ولما لا وقد حكمت هذه الأمة على نفسها بالسير مع قافلة الأمم المتحضرة اسماً والجائرة فعلاً ولكن في ذيلها، فالام سيبقى المسلمون تبعاً، أبناء للماضي وليس الحاضر؟!!.
د. إبراهيم أبو جابر