الأخ الناقد لحسن عسيلة
سررت بمرورك وتفحصك للقصيدة .. فهذا دليل اهتمام بها أشكرك عليه ، ولكنك ياأستاذنا يبدو أنك لم تقرأها قراءة متأنية ..فتعجلت في إعمال قلمك فيها .
وأشكرك جزيلاً على وقوفك عند الجماليات التي أعجبتك .
والآن سيدي لنذهب إلى نقدك بالترتيب الذي ورد :
أكسوف شمس أم هو الإعتامُ
أغشى عيوناً صابها الإظلامُ
مطلع جميل
اسعَدْ بكنزك ياثرى ! واريتها
وَتَرَكْتَنا يعصفْ بنا الإيلامُ
لو جعلت "إذ" بين قولك "اسعد بكنزك يا ثرى و قولك "وتركتنا"
كلمة "يعصف " جزمتها بدون جازم
-لا أرى ضرورة لحشر – إذ – في هذا البيت ، فهو بهذه الصيغة أجمل ، وبالنسبة لجزم كلمة " يعصف " فهو تسكين ضرورة وليس تسكين إعراب ، وهذا جائز في الشعر .. والأمثلة عليه ليست قليلة .
نَحَبَتْ رُبى حَوْران باكيةً عَلَيْ
كِ وأمطرتْ حرّ الدموع شآمُ
ودْيانُها جَفَّتْ ، وأمْحلت السهو
لُ وحلَّ في كبدِ السماء جَهَامُ !
وحمائمُ الأمويّ ناحتْ وانحنتْ
في قاسيون ذُراهُ والآكامُ
بيت جميل ورائع
مَشَت الرياحُ وَئيدَةً قُرْب المقا
م وعَطَّرَتْ أنفاسَها الأنسامُ
بيت جميل لكنه يفتقد المناسبة والربط بينه وبين الذي يليه والذي قبله ،
لولا مخافة ربنا وحسابه
وتنال منّي لعنةٌ وأثَامُ
خطفت مد كلمة : آثامُ ، نقول "آثام" وليس "أثام "
لَحججتُ للمثوى أقيمُ مناسكي
حتّى يُقيم الساعةَ القيَّامُ
-هذا البيت ( مشت الرياح وئيدة ...) أنا أرى أنه استمرارية للأبيات الذي قبله ، لاحظ معي سيدي الفاضل الأبيات الثلاث التي سبقته :
الربى نحبت ، وشآم أمطرت ، الوديان جفّت ، السهول أمحلت ، الذرى والآكام انحنت : هي كلها مكوّنات من الطبيعة تأثرت وحزنت ... ،الرياح هي أيضا جزء من الطبيعة .. والرياح تأتي عادة قوية عاتية ، لكنها عندما مرّت قرب المقام تواضعت فخففت من عتوّها وقوتها حزنا واحتراما ..فسارت هادئة ..! وأيضاً : الأنسام اللطيفة ( من مكونات الطبيعة ) لما صارت قرب المقام عطّرت أنفاسها .....
وكما تلاحظ معي إن البيت وثيق الصلة بالأبيات قبله ، وهو وثيق الصلة بالبيت الذي يليه ، حيث : الحديث صار عن المقام ..والبيت الذي يليه مقدمة للبيت التالي الذي يتحدث عن المثوى : لحججت للمثوى .......
لولا مخافة ربنا وحسابه
وتنال منّي لعنةٌ وأثَامُ
خطفت مد كلمة : آثامُ ، نقول "آثام" وليس "أثام "
- لاياسيدي ..في البيت لم يحدث خطف ، فالكلمة التي عنيتُها هي ( أَثَام ) وليس آثام ! وأَثَام تعني : ( عقوبة وعذاب شديد جزاء الإثم ) وقد وردت هنا بمكانها ومعناها المناسب تماما ، ولو أصبح البيت كما أنت أشرت : ( وتنال مني لعنة وآثام ) لكان المعنى اختلف كليّا .. وفقد البيت جماليته وصحته ، والقضية لم تكن قضية وزن .
لمّا رحلْتِ عنِ الديار فإنّها
وَفَدَتْ إليها النائباتُ جسامُ
الصحيح أن تقول : لما رحلت عن الديار فإنها // وفدت إليها النائبات الجسام ُ . ولكن سينكسر الوزن ،
ماذا لوقلت : لما رحلتِ عن الديار فإنها // حلتْ بهنَّ نوائبُ وكِلامُ أو وجهامُ
- البيت المذكور صحيح تماما ، ( وفدَتْ إليها النائباتُ جِسام ) ! وأيضا القضية ليست قضية وزن ،ببساطة شعرت أن الجملة هكذا جميلة .( وأزعمُ أنها أجمل من الشطر المُقترح ) .
لاتُيْنع الأزهارُ في روضاتها
إنْ غابَ عنْ هَمْرِ الغُيُوثِ غمامُ
الصواب أن تقول : لا تونع الأزهار
- ( لاتُيْنع الأزهار ) صحيحة ياأخي .
الكرْمةُ السمْحاءُ تشكو وَحشةً
فالكرمُ ضاعَ وغادرَ الكَرَّامُ !
بيت جميل والأفضل أن تستبدل الفاء بواو العطف ،
شكرا لك، لكن لماذا واو العطف أفضل ؟وعلى ماذا سأعطفها ؟ ( الكرمة تشكو وحشة .. لماذا ؟ : لأن الكرم ضاع ولأن صاحب الكرم غادر ! )
-من بعدك الأيام صارت مرة
والإبتهاج مغيب وحرام
وشُجيْرة الليمون مُذْوًى زهرها / وشجيرة الليمون أودى زهرها
مِنْ روحها سَلَبَ الشّذا إغمامُ
- ( اقتراحك : أودى عوضا عن مُذْوىً ) !! : أودى تعني هلك .. ( نحن ياسيدي نتكلم عن زهر الليمون ، هل الأجمل نعبر عنه ب هلك .. أو ب ذوى ..ذبل - من بعد أن سلبَ منه الإغمام الشَّذا ) ؟
بَكَت الديارُ وَلَمْلَمتْ أحجارَها :
بعدَ المليحةِ لايطيب مُقامُ
لا تصفها بالمليحة وأنت ترثيها يا أخي ، قل :بعد الكريمة أو الفقيدة أو ماشابه ، فالمقام مقام رثاء وليس مقام نسيب وتشبيب ،
- ( كلمة مليحة ! ) عَجِبتُ من تفسيرك لهذه الكلمة بحدودها الضيقة جداً ..( فأنت ياأخي تقرأ شعرا .. وتؤخذ المعاني حسب مناسبة القصيدة طالما أنها ضمن سياق المناسبة ، وهل تعتقد أن كلمة – مليحة – مكانها فقط قصائد الغزل والتشبيب !! يبدو أنك تعتقد ذلك ، ولكنك لست على صواب! .
فكلمة مليح ومليحة تقال في المعنى الذي أنا قصدته : فيجوز القول : فلان مليح الخُلق وفلانة مليحة الشمائل ومليحة الأخلاق ، إلى غير ذلك ..( ويصح بشكل عام أن نقول : قصة مليحة ، قصيدة مليحة ، جملة مليحة ، أفعال مليحة ..) ولايقتصر استعمال الكلمة على الوجه أو الجمال المحسوس ! والشواهد لاتعد ولاتحصى ، ولايتسع المجال لذكرها .
بَكَت الديارُ وَلَمْلَمتْ أحجارَها :
بعدَ المليحةِ لايطيب مُقامُ
أأَتُقيمُ دارٌ زالَ مِنْ أركانها
أُسُّ البِنا , كانتْ عليه تُقامُ ؟
لو قلت : أتقومُ دارٌ زال من أركانها // أسّ البنى كانت عليه تقام
-لا ياأخي .. لو قلت كما اقترحتَ ( أتقومُ دارٌ زال من أركانها ) لطار المعنى المقصود ! لماذا :
( الديار بكت .. ولملمت أحجارها حزينة وقالت لنفسها : لم يعد يطيب لي المُقام هنا، وهي تساؤل نفسها : هل من داعي للإقامة هنا بعد أن غاب ورحل الأساس الذي كانت تقيم لأجله ! ) : فكلمة أتقيم بمعنى الإقامة ، أما كلمة أتقوم فهي بمعنى البنيان : تقف .. تنتصب.. تُشَيَّد .
وأخيراً ..أكرر شكري لإهتمامك بالقصيدة .. فأنت كتبت مااعتقدتَه صوابا ، وآمل أن أرى دائما قلمك الأحمر يتبختر بين سطوري .
دمت بخير سيدي ، وتقبل مودتي .