هو أكثر من غنى للصباح يستدعيه ويلح عليه ليأتي ويحرض الجموع على الأمل لانتظاره والاصطفاف لاستقباله .
والصباح لدى زين العابدين فؤاد ليس هو الصباح العادي الذي يقابلنا ويصطحبنا كل اليوم في ذهابنا لأعمالنا الحكومية الرتيبة.. وليس شمس النهار تسطع كل يوم على ذات الهموم والأوجاع والمحن والكوارث والمآسي والزنازين والقيود والدناءة والآفات الخلقية والعقلية والعفن .
إنما الصباح الذي هو أغنية زين العابدين فؤاد الأثيرة المتكررة فشيء آخر من الحرية والكرامة والرفعة .. صباح مختلف تماما ً يتوارى فيه صوت النخبة التقليدية ويتأخر الفاشلون والانتهازيون والأغبياء ليحمل الأبطال والمناضلون والعباقرة الحقيقيون والفدائيون رايات الكفاح.
تماماً كما كتب في أغنيته التي غناها ولحنها أثناء أقامته في سجن طرة "أغنية إلى عمال المحلة " عام 1975م :
تطلع جيوش الفقرا مع شمس الصباح .. ترفع رايتها كل يوم في مدينة.. وصولا ً إلى قوله تطلع جيوش الفقرا مع شمس الصباح
ترسم خريطة مصر
الهتاف .. الصوت ومفردات كل ما هو خارج من الحنجرة – وليس من فوهة البندقية ولا الكلاشينكوف ولا البارود ولا المولوتوف - .
الصوت والهتاف – فقط - هذا هو الذي يصنع المعجزة.. هذا هو الذي يذل ويكسر الخوف.. هذا هو الذي يطرز للصباح المنتظر زينته ويخيط أثوابه ليخرج بعد الغياب الطويل ويحتوى مريديه ويسعد أحبابه .
لذلك يهتم زين هنا بالصوت وبالحنجرة وبالكلمة .. فلا سماع لطلقات ولا انتظار لذخائر وقنابل.. إنما يستنظر حبال الصوت .. كأنهم يسألونه عن الصباح فيسألهم عن السلمية وكأنهم يعاتبونه ويتهمونه في عقله كيف يواجهون كل هذا الظلم والطغيان والتجاوز والجنود المدججين بالسلاح بالصوت والهتاف.. فيؤكد يقينه بأن الطاغية لا يموت إلا إذا لُفت حول رقبته حبال صوت المقهورين .. أما إذا رفعوا سلاح فمسافة قرون تفصل بينهم وبين الصباح .
فلا صباح مع عنف ولا أمل للخروج والخلاص.. إنما يؤدى العنف والقتل والسلاح والدماء لليل آخر طويل يقتل الأمل الباقي في نفوس الناس.
إلى جانب السلمية.. فالصباح تصنعه الجماعة لا الفرد ولا الأنانية وتوابعها ومفرداتها.. ولذلك يؤكد زين أنه ضعيف جداً بمفرده وصوته لوحده نحيف لا يكاد يسمعه أحد لكنه مسموع بالمجموع ومؤثر ومزلزل في الزحمة وباللمة وبضم الحناجر بعضها إلى بعض.. وبشلال من البشر هادر يهتف للحرية والكرامة فترتج جدران الباطل وتتشقق حيطان الطغيان وتفزع الفئران وتهرب وتختفي.
عندها فقط – بالسلمية والوحدة واللمة وروح الجماعة الوطنية – يحدث المستحيل ويصنع الشعب المعجزة ويتحقق الحلم ويأتي الصباح .
أغنية للصباح
للشاعر الكبير / زين العابدين فؤاد
وساعتها: نتلم.. ونغني
يسعد صباحكم
باللي تستنوا، الصباح مني
يسعد صباحكم
ياللي تستنوا الصباح مني
قاعد وباستنظر، حبال صوتكم
تدخلني في بيوتكم
تطعمني من قوتكم
ترجعني فوق مهره محنية وبتغني
يسعد صباحكم
ياللي تستنوا الصباح مني
صوتي، نحيف، نحيف
لكنه في الزحمة
يصبح رغيف.. رغيف
يشبع اللمه
صوتي، نحيف، نحيف
لكنه في الزحمة
يصبح فرس رهوان
يصبح مرايه، مرايه
علي صدرها الألوان
ترسم بيوت، خضرا
ترسم غيطان بكره
تكتب لنا العنوان
تصبح قناية، قنايه
تتمد، للعطشان
بدراع، وكباية
نشرب سوا منها
نطرح جناين
مداين
نتلم، ونغني
يسعد صباحكم
ياللي تستنوا، الصباح ، مني
زين العابدين فؤاد
سجن الاستئناف - باب الخلق - يناير1972،
من ديوان الحلم في السجن