الأهم هو ما طرحه الرائع أناتول فرانس فى رائعته الخالدة التى نال عنها نوبل للآداب عام 1919م " الآلهة عطشى " ، وفيها يصور بدقة الجو " الارهابى " الذى ساد فرنسا بعد الثورة الفرنسية ، واعتقاد البعض منهم أنه يملك الحقيقة المطلقة ، وأن المخالف والآخر انما يمارس الهرطقة والخيانة ، فساد الاستئصال والعنف الدموى وأكلت الثورة أبناءها . رفضوا كل شئ وقالوا اما نحن أو لا شئ واما نحن أو هم ولا التقاء ولا هدنة ولا مفاوضة ورفضوا الآخر واحتكروا الحقيقة والوطنية والاسلام . هم الآلهة المطلقة الذين عناهم فرانس وهم رجالات الثورة الذين تسببوا فى مقتل مئات الآلاف ومآسى لا حصر لها فى فرنسا قبل الاستقرار ، ولا يزالون هنا فى مصر عطشى للدم . حتمية الصراع وحتمية المواجهة والمواصلة ، وكلما كسرت راية ومحى عنوان رفعوا غيرها وكتبوا غيره ، لتظل التعبئة ويتواصل النزف بلا حدود . العجيب فى الراية الجديدة " راية الحسين رضى الله عنه " أنه ولغ بها الشيعة أيضاً فى دماء العرب والمسلمين وهتكوا الأعراض واستباحوا البلاد ومزقوا الأمة وأنهكوها حروباً وفتناً . تحت راية الحسين استباح ابن العلقمى بغداد وذبحت النساء ودمرت الحضارة والتراث ، وحديثاً هدمت المساجد وقتل العلماء والأئمة وبقرت بطون الحوامل ، والحسين برئ وما هى الا خطة صفوية دموية لاستهداف الأمة فى عمقها . قائد عمليات الأسد فى حلب قال " سنقاتل تحت راية الحسين " وحزب الله الشيعى يرفعها ونصرالله يقتل ويواصل اجرامه بهذه الحجة ، وأحدهم فى الضيافة التركية يرفعها الآن سعياً ربما لحزب الله السنى واستغلال هذا الظرف التاريخى لتأجيج الصراع السياسى داخل مصر . فاذا كانت الثورة والمقاومة نهج الحسين - وقضيته بالطبع هى قضية الشعوب الحرة " رفض الاستبداد والسعى للشورى والحرية " - ، فأين نهج الحسين والتضحية بالأهل والولد وتقديمهم فى ساحات المواجهة ، وتجنيب الشعب والأبرياء القتل فى مواجهة غير متوازنة ؟ كيف تستقيم الدعوة الى النضال والمواصلة تحت راية الحسين ، ومن يدعو الى ذلك فر بأسرته وأولاده – أو فى أحسن الأحوال متواجد بهم فى الخارج – تاركاً الأبرياء والشعب يواجهون القتل والقمع والسجن ؟ فى طريقه الى الكوفة جاء الحسين خبر مقتل مسلم بن عقيل بن أبى طالب وتخاذل شيعته فنادى فى الناس – رضى الله عنه – وقال : من أحب أن ينصرف فلينصرف فتفرق الناس عنه يميناً وشمالاً ، ولم يتبقَ معه الا ذووه وأهل بيته . نفهم من ذلك أن القضية العامة تؤخر ويؤخر مؤيدوها ويحيدوا مع الحرص على سلامتهم عندما يتيقن القائد انعدام توازن القوى ، وما يفعله بعض قادة الاسلاميين اليوم – خاصة من هم بالخارج – مناهض ومتناقض مع ذلك تماماً . كذلك – وهذا الأهم – أن الحسين واصل لأمر غير القضية الكبرى العامة " الدفاع عن الشورى ومناهضة الاستبداد " – مع بقائها فى الوجدان - ، بل واصل فقط دفاعاً عن موقفه الشخصى لرفضه مبايعة يزيد عندما انتهى التفاوض الى اصرار يزيد على ذلك . اذا كان قادة الاسلاميين يصارعون اليوم تحت راية الحسين رفضاً لاعترافهم بالسيسى وسلطته ، فليتقدموا بمفردهم وبأهليهم – كما فعل الحسين وليحيدوا الشعب وان كان مؤيدوهم رافضين للبيعة - لانعدام توازن القوى . فاوض الحسين وجرت نقاشات وحوارات موسعة ، وطلب أن يعود أو أن يذهب للجهاد فى سبيل الله ضد الأعداء ، لكن بدون مبايعة يزيد ، وعندما أصروا رفض ، وعندما أبدى الحسين رغبته فى مقابلة يزيد – وكاد ابن زياد أن يوافق – تدخل ابن ذو الجوشن الذى كره أن تحل القضية ويسود السلام فشحن فى وجهة القتال وحدث ما هو مشهور . بل عندما أصر الحسين على موقفه من رفض البيعة ليزيد طلب ممن تبقى معه من أهله الانصراف " أنتم فى حل من طاعتى " ، لكنهم أصروا وثبتوا معه حتى الاستشهاد . هل تفاوضوا بجدية لحل الأزمة ، وهل عرضوا بدائل كالتى عرضها الحسين ؟ هل وعوا الفارق بين القضية العامة فى حال انعدام توازن القوى - ، والقضية الخاصة التى لم يقضِ فى ساحة الصراع فيها سوى الحسين وأهل بيته ؟ هل أبدوا رغبتهم فى مقابلة السيسى رغم كل شئ كما فعل الحسين الذى يدعون وصلاً برايته ؟ هل وعوا السبب الأساسى الذى من أجله عارض كبار الصحابة – وهم الأغلبية – خروج الحسين ؟ ، بل هذا السبب يزداد الاهتمام به فى واقع أشد فداحة وخطورة اليوم من واقع الماضى ؟ كل هذا لم يحدث ، وبتسطيح فاضح للقضايا لا تزال الآلهة عطشى لدم الشعب والجيش ، مع تحييد الأهل والولد فى استراحات تركيا