موفق مصطفى السباعى هو نجل القيادى الاخوانى السورى الدكتور مصطفى السباعى ، وقد أرسل للدكتور محمد مرسى فى أغسطس 2012م يحذره من حضور قمة دول عدم الانحياز ، واصفاً الزعيم الراحل عبد الناصر بقوله " المقبور المجرم جمال عبد الناصر الذى أذاق اخوانك فى مصر وسوريا أثناء الوحدة المشئومة التى لم تعاصرها أنت أشد العذاب .. " .
اختزنت الرسالة فى ذاكرتى لعامين ، ولو كان السباعى الأب حياً لوهب حياته لاعادة صياغة عقل وأفكار نجله ، وهو رحمه الله مثلى " اسلامى الهوى ناصرى المزاج " .
أثنى على عبد الناصر كثيرون من داخل الاخوان مثل فريد عبد الخالق ومحمود عبد الحليم وأحمد رائف وغيرهم ، لكن قليلون من استجابوا للاسهام فى انجاح تجربته ، ومنهم مراقب الاخوان بسوريا وقتها مصطفى السباعى .
سعى عبد الناصر لشراكة متوازنة مع الاسلاميين ، وأفرج عن الاخوان والمحكوم عليهم فى قضايا التفجيرات ومقتل النقراشى ، وحاكم قتلة البنا ، ولم يرفض الحكم بالقرآن وخطب على قبر البنا ، وكان الأمر سيختلف لو وجد من ينظر اليه من زوايا امكانية التحالف لتحقيق أهداف مشتركة ، وليس فقط من زاوية القطيعة .
يبكى القطب الاخوانى فريد عبد الخالق لموت عبد الناصر وهو فى السجن ويصفه بالرجل الشريف طاهر الذمة ، وقال عنه فى كتاب " الاخوان فى ميزان الحق " - : " هدفه الاسلام كأساس للتغيير ، لكنه رأى أن من المصلحة عدم المجاهرة بذلك فى بادئ الأمر ولكن تؤخذ الأمور تدريجياً حتى لا يحارب أعداء الاسلام الحركة فى أول عهدها " .
قص عليه قصته مع الاخوان فى مصر فاستجاب السباعى الأب لدعوة عبد الناصر بعد أن تخلى عنه صديقه سيد قطب الذى بدأ يتحرك فى الاتجاه المناهض ، وأدرك السباعى خطورة خسارة الاخوان لرجل كهذا ولفرصة تتحالف فيها الدعوة مع الدولة لتحقيق مقاصد الشريعة من عدالة ومساواة ، ولم يكتف بدعوة الاخوان للتراجع عن الصدام معه ومن ثم مؤازرته ، بل بادر وأعطى نموذجاً عملياً باصدار كتابه " اشتراكية الاسلام " عام 1959م ، وفيه أسس المرجعية الشرعية لما قام به عبد الناصر من اصلاحات اجتماعية واقتصادية ، فى الوقت الذى كان يشن فيه اخوان مصر حرباً شعواء ضدها باعتبارها ليست من الدين وعلى رأسها قانون الاصلاح الزراعى وسياسة التأميم والاشتراكية .
ليس انصافاً فقط للشخصيات انما انصافاً أيضاً للمنهج فالاسلام ذو منحى اصلاحى تكميلى وما فعله السباعى هو تفقيه القانون - وهو ما نحتاجه - وليس تقنين الفقه ، بمعنى احتواء القوانين المستحدثة بحسب تغيرات الأوضاع ومستجدات المراحل ومتطلبات المجتمعات ، وتبنيها والحاقها بالخلفية الاسلامية من خلال عرضها على قطعيات الوحى ومصالح الأمة ، فمعظم ما نسميه اليوم قوانين وضعية ونظم دستورية حديثة لا يناقض النص الشرعى ويحقق المصلحة وينسجم مع روح الاسلام وغاياته .
يصور البعض حكم تيار بعينه أنه الاسلامى وحكم الآخرين بأنه جاهلى ويصر على السير وحده واعاقة الآخر ، بينما هناك أرضية مشتركة وقيم عليا يمكن نصرتها معاً ، واقتباسات وتأثر متبادل ورؤى ومجهودات ممتازة يمكن الوصول بتوظيفها الى نهضة الأمة معاً .
الطريق يسعنا جميعاً ، هذا ما توصل اليه السباعى مع عبد الناصر وبعض قيادات الاخوان فى مصر أمثال الباقورى والبهى الخولى وعبد العزيز كامل ، والهزيمة لا تأتى الا بما ينفخ فيه موفق وغيره من الجيل الجديد من تكفير وتحقير وافشال .
السباعى الأب رحمه الله يقول : ان الوحدة العربية هى عودة الروح للاسلام فهى وحدها اذا خلصت النوايا عين الاسلام .
وأكد لاخوان مصر أنه اذا ضاع عبد الناصر فلن تعوضه الحركة الاسلامية وأن خلافهم مع عبد الناصر لا مبرر له ، خاصة أن كل ما يقوم به يصب فى اطار الشريعة ولا يخرج عنها وأنه من غير المقبول والمعقول أن يكون الاخوان مع الصهاينة والغرب والشيوعيين فى صف واحد ضد عبد الناصر .
سيناريو الأحداث كان سيتغير بلا شك فى حال لو كان تحقق هذا التحالف المنشود فى الاتجاه الذى نصح به ذلك الاسلامى الهوى ناصرى المزاج ، اذن لتحقق ما قال الشيخ القرضاوى فى أحد مقالاته القديمة " أنه لو كان البنا مكان الهضيبى فى الأزمة مع عبد الناصر لكان للاخوان فيها شأناً آخر " .
غالبية أحداث اليوم مبنية على تصورات واختيارات الماضى ، وخيارات المفاصلة والاعاقة ومنهج " اما نحن أو هم " ليس من الشريعة ابتداءاً، وليس من السياسة فى شئ ولا ينتمى لدنيا الواقع ، فضلاً عن أن الاسلام العظيم أمرنا بانصاف الأشخاص والرجال والحكم عليهم بحسناتهم وسيئاتهم جميعاً .