هَجَمَ اللَّيْلُ بِهَامَتِهِ الْعَظِيمَةِ، يَحْمِلُ بَيْنَ طِيَّاتِهِ الْأَحْلَامَ وَالْأَوْجَاعَ، وَصَارَتِ الْأَبْوَابُ تَغْفُو بَابًا تِلْوَ بَابٍ، وَالنُّجُومُ تَغْمِزُ الْأَرَقَ الْمَقِيتَ، وَالسَّحَابَاتُ تَبْكِي رَحْمَةً وَخَجَلاً، كَانَتْ قَدَمَاهُ تَعْبَثُ إِحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى تَعَبًا وَبَرْدًا، انْزَوَى إِلَى رُكْنٍ ظَنَّ فِيهِ أَمْنًا وَعَيْنَاهُ تَلْتَهِمُ مَا حَوْلَهُ بِيَأْسٍ، الْتَقَطَتَا فِي طَرِيقِهِمَا أَصَابِعَهُ الْعَارِيَةَ فَكَادَتَا تَفِيضَانِ، فَجْأَةً احْتَضَنَتَا شُبَّاكًا مَفْتُوحًا وَوَجْهًا بَاسِمًا، فَتَسَمَّرَتَا عَلَيْهِ، نَظَرَ مَلِيًّا إِلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ بِنَوْعٍ مِنَ الرَّجَاءِ، كَانَتْ فَتَاةً لَمْ تَتَجَاوَزْ عِقْدَهَا الثَّالِثَ تَلُوكُ بَيْنَ شَفَتَيْهَا كَلِمَاتٍ لَمْ يَتَبَيَّنْهَا، فَظَنَّهَا غِنَاءً، فَجَارَاهَا فِي غِنَائِهَا، وَبَاتَ يُرَدِّدُ مَا يَحْفَظُ مِنْ أَغَانٍ، لَمْ يَشْعُرْ بِالْبَرْدِ وَلَا الْوَحْشَةِ حَتَّى أَقْبَلَ الصَّبَاحُ بِوَجْهِهِ الْمُشْرِقِ، تَوَقَّفَ الْمَطَرُ، فَتَرَاجَعَتِ الْفَتَاةُ فِي كَسَلٍ وَهْيَ تَبْتَسِمُ، وَأَطْبَقَتْ شَفَتَي الشُّبَّاكِ، قَامَ فِي نَشَاطٍ نَافِضًا مَا عَلِقَ بِهِ مِنْ لَيْلَتِهِ تِلْكَ، وَاسْتَمَرَّ فِي طَرِيقِهِ وَلَمْ يَدْرِ أَنَّهَا بَاتَتْ لَيْلَهَا تَدْعُو اللهَ أَنْ يُعِيدَ إِلَيْهَا بَصَرَهَا، فَقَدْ عَلِمَتْ مِنْ جَدَّتِهَا أَنَّ الدُّعَاءَ عِنْدَ نُزُولِ الْمَطَرِ مُجَابٌ.