بسم الله الرحمـن الرحيم
مختارات من شعر الشاعر المرهف فيديريكو جارسيا لوركـا
تقديم: الأستاذ أحمد حشاش
ترجمة: الأستاذ علي المك
فيديريكو جارسيا لوركا/ Federico Garcia Lorca
(ولد الطفل الموهوب «فدريكو جارسيا لوركا» في الخامس من يونيو عام 1898، لوالدين اسبانيين في منطقة فيونيت فاجووس.. في غرناطة، والده كان مزارعاً ثرياً والأم كانت معلمة أخذت على عاتقها تعليمه النطق والكلام، لأنه وجد فيهما صعوبة بأول حياته لرهافة حسّه التي مكنته وهو ابن الحادية عشرة أن يعزف لالنز وبيتهوفن.. بعد متابعة أستاذه لميوله الموسيقية في مدرسة ألميريا، وقد تعرض لوركا لمرض شديد في تلك الفترة، أصاب فمه وحنجرته كاد يودي بحياته، ورغم سوار الموت المبكر الذي أحاط به، بقيت الابتسامة صديقته والدعابة رفيقة دربه المليء بالنضوج والموهبة.
فقد كان لوركا شحنة متوقدة من العاطفة والمشاعر المرهفة، فأظهر اهتمامه بالموسيقى مبكراً، وخص مسرح الدمى والعرائس باهتمام كبير، فضّله عن غيره من الاهتمامات الفنية لديه، والتي تكللت بعمل أدبي كبير أنجزه وهو في الجامعة يدرس الحقوق والآداب، ضمّنه معلومات كثيرة حصل عليها من رحلاته، استعان بها أيضاً في كتابه: انطباعات على الطريق عندما بلغ عشرين عاماً، بدأ بعدها التجوال بين غرناطة ومدريد خلال عشر سنوات، تعرّف خلالها على أصدقاء أصبحوا من المشاهير ملأ ذكرهم الآفاق، منهم «سلفادور دالي» و«ألكسندر رافييل البرت» و«لويس جونيل» و«بابلو نيرودا». وقد أسس في تلك الفترة مجلة «جالو» في غرناطة لكنها لم تدم طويلاً، وكان زمانه وأصدقاؤه من الفنانين الشباب هم حياته وحبه الكبير.
......
ومع مرور الزمن أخذ لوركا بالتغير وتفهم الحياة أكثر ، وأصبح ينظر إليها من منظار الحقيقة الحية «في هذا الزمن المأساوي في العالم، يجب على الفنان أن يضحك ويبكي جمهوره، ويجب أن يترك الزنبق الأبيض مغموراً حتى وسطه بالوحل، وذلك لمساندة الذين يبحثون عنه».
هذه التعرية الكاملة للزمن، النابعة من شاعريته المتوقدة المنتفضة، جعلته يسافر من مدريد الى غرناطة التي تغلي سياسياً آنذاك وتنبئ بحدوث انتفاضة.. ومع وصول لوركا إليها، اندلعت النيران العنيفة واعتقل صهر لوركا محافظ مدينة غرناطة وعدد من أقربائه الاشتراكيين لأنهم أيّدوا الانتفاضة.. في هذه الفترة كان لوركا في منزله «بسان فينست»، وقد فتش أكثر من مرة ولم يعثر على شيء ضده، رغم أنه ضرب وعنّف أثناء التفتيش، وقد أبعد من قبل أسرته إلى منزل الشاعر «روزال» ربيب لأسرة الكتائبية المناهضة، والتي كان لها دور فعال في غرناطة، وكان لوركا يلتقي بالكثير من المناهضين ويتحدث إليهم.
وفي يوم 15 أغسطس 1936،أصدرت الحكومة قرارها بالقبض عليه، وتم ذلك رغم تدخل الكثير من أصدقائه لأجل الإفراج عنه. ولكن العصابات «الفالانج» نفذت بعد اعتقاله حكمها بالإعدام في بناء «كولونيا» به وبخمسة آخرين، اثنان منهم من مثيري الشغب ومدرس، ولصان أحدهما يدعى «تبريريل»، وبعد طلقات الفرقة الفاشية الغادرة عند فجر السابع عشر من أغسطس، أسدل الستار على مسرح حياة الشاعر الاسباني الكبير «فيدريكو جارسيا لوركا»، ليبقى في قلوب الأحرار رمزاً طاهراً من رموز الحرية في العالم ولتبقى: «استريا الغجرية تقف أمام بابها. )
..................................
(1) أغنية ماء البحر
البحر من بعيد يبتسم
أسنانه زبد
والشفاه من سماء
وأنت يا فتاة كدرة المزاج
نهداك صوب الريح
ما بضاعتك ؟
سيدي :
أني أبيع ماء البحر
وأنت أيها الأسمر الفتى
ما الذي لديك بالدماء يمتزج ؟
سيدي
ذاك ماء البحر
وأنت يا أماه
من أين تأتي دموع الملح ؟
سيدي
أنما أبكي بماء البحر
ويا قلب وانت،ثم هذا القبر
من أين ينبع الأسى ؟
أجاج ماء البحر
البحر من بعيد يبتسم
أسنانه زبد
والشفاه من سماء
(2) غرة الصباح
وكمثل الحب
فالرماة عميان
في الليل الأخضر
آثار السهام الدافئات زنابق
سفينة القمر
تحيل السحاب مزقا
والكنانات ملؤها الندى
آه ، كمثل الحب
الرماة عميان
(3) تضريعات
مياه الهواء ساكنة
تحت غصن الصدى
مياه المياه ساكنة
تحت سعف النجوم
مياه ثغرك ساكنة
وتحتها من القبلات أجمة
(4) أغنية المسافر
قرطبة ..
نائية وحيدة
مهر أسود ، قمر ضخم
وفي خرج السرج الزيتون
ورغم أني أعرف الطريق ..
فلا سبيل أبلغ قرطبة
عبر السهل ، عبر الريح
سهر أسود ، قمر أحمر
والردى إلى ناظر
من على قلاع قرطبة
آه ألا ما أطول الطريق
آه ، أيا مهري الشجاع
آه ، فذلك الموت ينتظر
قبل بلوغ غرطبة ..
قرطبة ..
نائية وحيدة ..
(5) حقيقة الأمر
ما أعظمه من جهد
أن أهواك كما أهواك
بسبب هواك
تعذبني الأنسام وقلبي ..
تؤلمني قبعتي ..
من مني يبتاع وشاحي هذا
وحزني ذاك وقد صيغ من الكتان الأبيض
كيما يجعله مناديل
ما أعظمه من جهد
أن أهواك كما أهواك
............