عبد الجيب ..
من كبرى مشكلاتنا اليوم أننا تعوّدنا قياس الشخصية في حوضنا الاجتماعي بمسطرة واحدة هي : المسطرة المادية ولا أعني بالمادية : المال !
أغلب شرائح المجتمع تقيس الراتب وفق رؤية مادية .. فيقع البعض في فخ عبودية المال له ولتفاصيل رزقه ورزق عياله .. مع أن الله تعالى جعل المال وسيلة لضمان تبادل المنافع والحذر من استغلال بعضنا البعض بهذا المال..
اليوم لا يفطن بعضنا إلى حرب اجتماعية خفية : تنافس الناس .. والغفلة عن منفعتهم ..
فتنافس المدرسين فيما بينهم محوره طلب المزيد من الدرجات لامتحان طلبتهم ؛ وقليل منهم من يتنبه إلى صناعة الإنسان وشفاءه من معضلة الوعي السلبي وهو أمر بعيد كل البعد عن مادية الدرجات ..
وتنافس الأطباء اليوم فيما بينهم محوره : عدد العمليات الجراحية الناجحة ؛ وقليل منهم من يتنبه إلى إشاعة شفاء الناس من عادات صحية خاطئة لضمان صحة البدن والروح هو المحك ..
وتنافس المحامين فيما بينهم محوره : عدد الدعاوى وقليل منهم من يتنبه إلى طلب الحق وإن كان مع غير موكله ..
وتنافس المهندسين فيما بينهم محوره : دقة الرياضيات المجردة وقليل منهم من يتنبه إلى ماوراء الحسابات من عادات نافعة لعموم الناس لاعمار التراب واعمار النفوس .
في الغرب لم يتخذ الناس سوى المال مقياساً يقيس به حضارة الإنسان .. وفي دولة الرسول لم يكن سوى العدل للإنسان مقياسًا يقيس به رفاهيته في الدنيا وفوزه في الآخرة..بدليل أن السعي المادي مرفوض في حال أوصلنا – كما هو اليوم – إلى بسط الدنيا أمامنا ..لقد أرشدنا الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم وهو يرشد أصحابه الذين صنعوا التاريخ وهم لا يجدون ما يأكلون: « والله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم ».
العالم المادي اليوم يقيس التقدم بمقدار دخل الفرد، وبمقدار استهلاكه، وحركة السوق! وهذا مرفوض قرآنيًا قال تعالى : (وَمَا أَمْوَالُكُمْ ولا أَولادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى، إِلا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ) ] سبأ: 37
لن يفهم من تعاليم الشريعة أن نترك الدنيا لغيرنا يستغلوننا ويسرقون جهدنا وخيراتنا بل هناك تكليف شرعي بأن نحفظ بلادنا تحت حكم العدل الاقتصادي وأن نفهم سنن الكون وحركة التاريخ ، لنعرف الحق فيحققه الله على يدنا
حين يقتنع مسلم اليوم أن راتبه مرهون بجدوى انجازاته ومنافعه للناس سنخطو الخطوة الأولى لتحرير أموالنا مما قد يعلق بها من ربوية ومادية غربية ..