المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فكير سهيل
أخي الحبيب فكير , عندما نكتب قصيدة فإننا نضع نصب أعيننا أمرا هاما و هو التسلسل السليم للجمل و المعاني و الأفكار , فلا يشعر القارئ بانقطاع كلام أو فكرة أو معنى .. و بأخذ هذا بعين الاغتبار سنراجع القصيدة و ستمشي على هذا المنوال ما كتبت من شيء بعدها :
مَنْ نَهَرَ غَرِيبًا فِي مَنْفَا=هُ و لام على ترك الدار
فلْيعْلَمْ أَنَّا هُجِّرْنَا=ظُلْماً فصحبنا الأضرارْ
صحبنا الأضرار يعني نحن صحبناها و تقصدنا صحبتها بينما أنت قصدت صحبتنا الأضرار على غير إرادة منا و صحبتنا هي الأفصح .
فليُكرِمْ ضَيْفَ بَلَدِهِ أَوْ=يُرْجِعْهُ كَريمًا كالْجَارْ
أو يرجعه كريما ؟؟ أين يرجعه إلى بلده , كيف ؟ إذا كان هو مطرودا منها , لا تقل لي أنه يعينه و ينصره ليعود إلى بلده فالمعنى لا يحتمل هذا
هذه المجموعة الأولى من الأبيات التي تتكلم عن فكرة مترابطة :
إن ابتداء القصيدة يجب أن يكون قويا مبهرا يشد القارئ إليها , و التصريع في المطلع أحد الأشياء التي تقوي البيت , و الأقل منه عدم التصريع و أضعفها ما فعلته من تدوير البيت في المطلع , و من أقوى المطالع ما اعتمد الإنشاء ( استفهام , نداء , قسم , تعجب , الأمر , النهي , التمني ..) ثم تأتي صور الحكمة و الأمثال و الأقوال المأثورة ثم قوة السبك البلاغي من طباق و جناس و تشبيه و استعارة .....
و لو أنك قلت :
فليعلم من نَهَرَ غريبا ... أو لام على هجر الدارْ
أنا هُجِّـــرنا قسرا من ... وطــن ملكته الفجّـــارْ
و الأولى كرمٌ لا نَهْرٌ ... ذا حق الجار على الجارْ
أنظر إلى الترابط بين الأبيات هذه و كيف جاء الكلام متمما بعضه , معقولا ليس فيه انقطاع , مقبول عقليا ليس فيه تأويل معنى , و التأويل و المعنى في قلب الشاعر يضعف البيت .
كُنّا شَعْبًا بِكَرَامتِهِ=فَغَدتْ تَطْرُدُنا الأَشْرَارْ
أوصَونا ألّا نَرجِعَ إذ=عَلِموا أنّا في الغارْ
أَوْصَوْنا بالحسنى في أنـْ=فُسَنَا فَسَكنَّا الأغْوارْ: كنت أقصد التّهكّم والاستهزاء كمن يطردك من بيته ويوصيك بنفسك خيرا فيزيدك أذى على اذى
وطعِمنْا عشبا تأكلهُ الْـ=أنْعامُ وجُبْنا الأقْطارْ
بَحْثًا عنْ ماءٍ نشْرَبُهُ=وَ دَواءٍ والسَّكنَ القارّْ
المجموعة الثانية :
البيت الأول : كنا و ما بعدها سليم يتابع الكلام بسلاسة و معنى متصل و إكمال للقصة أو للفكرة ,
البيت الثاني : أوصونا ألا نرجع ... إلى هنا جميل , ثم قلت حين علموا أنا في الغار , أي غار هذا ؟ أم هي تكملة لجلب روي الراء , لا تحول الشرح لي حيث المعنى في قلب الشاعر و لم يصلني و هذا يعتبر ضعفا في سبك المعنى , و البيت المعدل كان أكثر من هذا غموضا ,
البيت الثالث : و طعمنا عشبا تأكله الأنعام , هي مبالغة لكنها واردة .. ثم جبنا الأقطار بحثا عن ماء نشربه , هذه غير مقبولة منطقا و عقلا , فهل في هذا الزمان من يذهب و يجوب البلدان يبحث عن الماء ؟؟؟؟؟؟؟؟؟ لا يقبل ذلك عقلا , ثم قلت و دواء , يمكن لهذه أن تقبل منطقيا إلى حد ما للمبالغة ليس إلا , ثم نصبت السكن و هذا خلل نحوي لأنه معطوف على مجرور , و السكن القارّْ ثلاث سواكن الألف و الراء الأولى و الراء الثانية , فأنت تعلم أن الحرف المشدد حرفان أولهما ساكن و الثاني متحرك ... و مع ذلك عند بعضهم يجوز , ثم قولك القار يعني البارد , فهل كنتم تبحثون في الأمصار عن السكن البارد ؟؟؟؟ أليس المعنى فيه ما فيه ؟ و لا تحاول إيصال معنى آخر لهذا فالأتركيب لا يحتمل إلا هذا المعنى .
فلنتوخ عند إنشاء الجملة إيصال المعنى واضحا سليما بعيدا عن تقدير أو تأويل .
وَلَنا أطْفالٌ تسْأَلُنا=قَلْبٌ في رَسْمِ الأزْهارْ
أقصد أن الاطفال تسألنا أشياء كالأمان والاكل, والشطر الثاني يتعلق بالاطفال ـ على سبيل الوصف ـ أي أنهم قَلْبٌ في رَسْمِ الأزْهارْ
وَوُعودٌ كُنّا نَقْطَعُها=لِلْخَلْقِ بَكاها الأَنْصارْ
أي لنا وعود كنا نَعِدُ به الأنصار في ديارنا ـ كنشر الدين مثلا وإعادة مجد الأمة ـ وبعد تهجيرنا تحطمت فأصبحوا يبكونها
وَتَرَكْنا آمالًا شَغَلتْ=بِمَدَاها قَلْبَ الأخْيارْ
وَطَريقًا كُنَّا نَعْبُرهُ=جرْيًا في ظِلِّ الأشجار
وصِراطًا مِنْ عنْدِ المَوْلى=لَوْلاهُ لَهَلَكَ الأَبْرارْ
ما زالَ يًرافِقُنا إذْ يُرْ=شِدُنا في كُلِّ الأَسْفارْ - أضفت هذا البيت حتى لا يُفهم أنّنا تركنا الصراط
المجموعة الثالثة :
البيت الأول : يا فكير تقول أنت أطفال تسألنا فكيف للقارئ أن يخمن هذه الأسئلة التي ذكرت و يتأول من عقله هذا ؟ هذا لا يصح , و هل يصح قولك : و لنا أطفال قلبٌ ؟؟؟ ولنا أطفال قلبٌ في رسم الأزهار ؟؟ لا أدري كيف تكون قلبا في رسم الأزهار , التركيب هنا و المعنى ركيكان , و بعيدان جدا عن الشاعرية و السبك المتين ..
البيت الثاني : و لنا وعود كنا نقطعها للخلق , قولك كنا نقطعها للخلق , و لا أدري ماذا أضافت هذه الجملة للنص .. فهل هذا مدح مثلا أنك كنت تقطع وعودا للناس , و لا أرى أحدا في الكون لا يقطع وعودا لغيره في اليوم أكثر من مرة و خاصة إن كان صاحب مهنة , فهل هذا أمر جيد ؟؟ لا أظن ذلط بل كان البيت حشو كلام , لكن لو قلت أنك كنت تبر بوعودك فهذه منقبة لك , ثم قلت : و هذه الوعود ( التي لا نعرف عنها شيئا ) قد بكاها الأنصار .. لماذا ؟ و من هم الأنصار ؟ لم توطّئ لذكرهم حتى نعلمهم .. كلام مبهم مبهم .
لا تقل لي أنك بينت لي الوعود , هذا غير مقبول , لأنك ستضطر أن تذهب مع القصيدة إلى كل قارئ لتشرح له الوعود و تبين له الأمصار .
البيت الثالث : لن أقول فيه شيئا , فهو سليم في معناه و تركيبه .
البيت الرابع : و تركنا طريقا كنا نلهو فيه , المعنى ضعيف لسبب بسيط أننا نحمل الذكريات و لا نتركها .
البيت الخامس : و تركنا صراطا من عند المولى ... لماذا تركتموه , و هل يترك مثل هذا , هذا يحمل محفورا في القلب و لا يترك ....
ثم كيف لولاه لهلك الأبرار ؟؟ الأبرار هم المتمسكون بصراط المولى و لولا أنهم متمسكون به لكانوا من الفجار .
البيت السادس : ثم قلت مازال يرافقنا هذا الصراط , و هذا مناقض للترك , و فيه تناقض في المعنى .
واليوْمَ شَغَلْنا مَنْزِلةً=نَرْجو فِيها قُرْبَ المارّْ
أي أصبحنا نرجوا قرب من يمرّ بنا ربما يتلطف ولعلّنا نستأنس بذلك ـ فالغريب يحب عطف وقرب صاحب الدار, وهذا يعني أننا لم نحصل حتى على هذا الشيء (نرجوا).
نَتَأَسَّى إذْ عُدْنا وطنًا=في المَنْفى رايتُُه الثَّارْ
أي أنّنا نتأسى إذ شكّلنا في الغربة وطنا ـ جمعا صاحب راية واحدة وهي الثأر بالرجوع للوطن
بِقُلوبٌ حُبْلى ما لَبِثَتْ=تَلِدُ الأحزانَ وتَنهار
لكنَّا عُوِّضْنا صبْراً=مِن عند الّله الجبّار
المجموعة الرابعة :
نحن نقول لغة : كنا كذا و اليوم أصبحنا كذا..
كنا كذا فغدونا كذا , أو فغدا يطردنا الأشرار , و ينتهي التركيب و المعنى يتم , و لكن لا نقول :
كنا شعبا بكرامته , فغدت تطردنا الأشرا ... و اليوم شغلنا منزلة .
نعود إلى التركيب في البيت الأول : نرجو فيها قرب المار ؟؟؟ شرح كلام في قلب الشاعر لا يؤخذ به , المار هو قريب أصلا فلم نرجو قربه , هنا ركاكة في المعنى , يا أخي غريب أمرك تتأول أن يؤنسك المار و لا تقول : نرجو فيها أنس المار... أوقعت نفسك في مطب التأويل ...
و أقول متسائلا هل هذه المنزلة حقيرة أم عظيمة , سيئة أم حسنة ؟
نرجو فيها قرب المار , لو قلنا مثلا : نرجو فيها قرب النهر هل يفهم منها اقتراب النهر أم اقترابنا نحن منه ؟ .. لا تجبني .
البيت الثاني : نتأسى بالرسول لأنه أسوة حسنة أي نمشي على نهجه أو نتخذه قدوة أو نفعل مثله , لكن إن لم تتعد بالباء فهي بمعنى نتعزّى . فهل يصح بيتك على أحد المعنيين :
نتأسى إذ عدنا وطنا في المنفى رايته الثار.
البيت الثالث : نتأسى بقلوب , هنا جاءت التعدية بالباء , و لكن لا يصح المعنى ..
بقلوب حبلى تلد الأحزان و تنهار , هل هكذا سنعود من المنفى بهذه القلوب ...
هلّا بلّغتمْ عنَّا أصْـ=حابًا عاثوا في الأمصار
أي أخبروا أشخاصا كانوا لنا أصحابا عن حالنا وقد تغيروا وعاثوا في البلاد
كانوا في الماضي قدوتَنا=زاغوا إذْ فقدوا الإِبْصارْ
ما كان غَريباً مَنْ يَبْكي=وَطَناً أو ذَهابَ الأَعْمارْ
بَلْ مَنْ أُنْسِيَ ما كان يَرو=مُ بِهِ فَوْزاً و رِضى الغَفّارْ
المجموعة الأخيرة :
البيت الأول : ماذا نبلغ أصحابكم ؟؟؟؟؟؟؟؟ و هل يكونون أصحابا أولئك الذين عاثوا فسادا في الأمصار ؟ و أي الأمصار تقصد هل هي ذات الأمصار التي ذهبتم تجوبونها ؟
البيت الثاني : سأقبل منك أنك اتخذت قدوة أناسا ثم تغيروا كلهم و هذا نادر ...
البيت الثالث : ما كان ( غريبا ) هل هي من الغربة أم من الغرابة , يعني :
لا تستغربوا من يبكي وطنا أو الموتى , أو ليس غريبا عن بلده من يبكي وطنا أو الموتى ؟
ما دام القارئ وقع في حيرة فأنت لم تستطع إيصال الفكرة بشكل جيد .
البيت الأخير : و الذي يجب أن يكون بقوة المطلع .. قلتَ : لم يكن غريبا من يبكي الوطن بل الغريب من نسي ما كان يريد به الفوز و رضى الغفار ... أرى ان البيتين الأخيرين شذا عن المعنى بعيدا .